انتجت مجموعة من التطورات على الساحة السياسية الاردنية مخزوناً من الصراعات المكبوتة بين طبقة الليبراليين والمحافظين في العقد الاخير حتى انقسم جمهور اصحاب القرار بين هذا المعسكر وذاك في تبرير سعيهم نحو المنصب العام والاستيلاء على السلطة الحكومية والخاصة وتبادل ادوار الصراع فيما بينهم كما يتبادلون المغانم والعطايا فيما كان جوهر الخلاف بينهم ليس نتاجاً عن اختلاف رؤى سياسية وفكرية ترتبط بكلا المدرستين وانما خلافاً مصلحياً بامتياز يرتبط بشهوة السلطة وتنفيذ الاجندات الخاصة والمشبوهة لانصار المدرستين باضفاء صفات ومصطلحات سياسية جذابة على تلك الملاحم لتستر عورة وحقيقة الصراع السلطوي لتجميله وابعاد صفة الشخصية عنه .
لم يتورع المحافظين الجدد عن ايجاد مجموعة من القوانين الناظمة للفساد وتسييب الحياة السياسية وتزوير الانتخابات النيابية والبلدية والتشارك في كثير من الاحيان مع جمهور الليبراليين في تأييد عمليات الخصخصة من الباطن وتسهيل اجراءاتها بقوانينهم , وشهدت فترات حكمهم اخفاقاً في تحقيق التنمية واستدامتها واغرقوا البلد في مديونية باهضة وتراجع المداخيل ومستوى المعيشة للمواطنين , كما لم يتورع حزب الليبراليين الجدد ( ذوي الياقات البيضاء الهابطين على كراسي السلطة ببركة الأب والجد ) لم يتورعوا عن تفتيت الدولة والنيل من ما تبقى من هيبة مؤسسات الدولة وتفريخ الهيئات المستقلة كوزارات رديفة عادت على الكثير منهم بالارباح والمكاسب الشخصية على حساب لقمة المواطن والموازنة الحكومية الى جانب بيع اصول الوطن ومقدرات الاجيال والشركات المساهمة العامة بثمن زهيد لا يعادل ارباح نصف سنوية لشركة عاملة في مجال التعدين وغيرها حتى تضاعف الدين العام وما نزال نقبل على مرحلة ابسط ما يقال عنها بانها اخطر من مرحلة انهيار الدينار في الثمانينات بصنيع كلا المدرستين .
في الواقع المرير لم يكن اصحاب تلك المدارس الا فاسدين ومفسدين تناوبوا على الوطن في ليالي الضياع التي نعيشها وبدلوا جلودهم اكثر من مرة للانسجام مع متطلبات المرحلة والمصلحة فكانوا القريبين دوماً للسلطة والبعيدين دوماً عن الوطن وتشهد عليهم قضايا الفساد والشبهات التي طالت فترات حكمهم بذلك وتسوق كل جهة منهم نفسها بانها ملكية أكثر من الملك عند الوصول للسلطة وانا شخصياً أفضل ان أسميهم بالوكلاء الحصريين للملك حين أرى تلك الشخصيات الكرتونية والفكاهية العائدة من سن اليأس السياسي تتبارى وتتفانى في اثبات ولاءها للملك عن طريق ابعاد الاردنيين واقصاءهم والتضييق عليهم وانهاء وظائفهم لمجرد كونهم انتقدوا الاوضاع المعيشية والسياسية في البلد كحق شرعي كفله الدستور ويكفله الملك دوماً وهو من فعلتهم براء , وتقسيم الاردنيين الى مناهضين لنظام الحكم وموالين وزج المخابرات العامة بتلك الترهات والافعال المشينة بحق المواطنين وتحميل الملك كلفة سياسية واجتماعية لا يقبلها باي حالٍ من الاحوال وفي هذا الظرف بالذات.
الوكلاء الحصريين للملك ظاهرة باتت تزداد بين مسؤولي الوطن في هذا الظرف الحساس حتى لجأ الكثير منهم للانتقام وممارسة الثار وتفريغ الاحقاد بحق المواطنين بأسم الملك وبأسم المخابرات كون هذا المسؤول ( الفهلوي ) على قناعة تامة بانه جزء اصيل من النظام ويستأثر بالملك والانتماء للوطن في حين ينظر للباقين كونهم عبء على النظام ويسعون لتقويضة ونسف مستقبل البلد وغيرها من الاساليب المشينة لتبرير عقدة الانتقام والثأر وتعويض النقص الذي لازمهم منذ الولادة بسبب الكفاءة او الوضع الاجتماعي الى حين استلامهم الوظيفة العامة بفعل الحظ واساليب التلون التي اجادوها وما يزالون .... .
لو كان الملك فظاً غليظ القلب لانفظ الاردنيين من حوله , ولو تعامل ملوك الهاشميين مع الشعب بقاعدة الولاء والبراء السياسي حسب النفاق كقاعدة معتمدة في تقريب الاردنيين او ابعادهم وزجهم في زنازن التعذيب لانفظ الناس من حولهم بشكل أكيد , لكن خلو التاريخ لدينا من قضايا الاغتيال السياسي وسياسة الرحمة ولين الجانب والوقوف على مسافة واحدة من الجميع جعل الاردنيين يفضلون العبور للمستقبل بلا انقلابات ودماء تسيل في الشوارع وتلك رسالة لم يستوعبها الكثيرين من اصحاب القرار لدينا بمغامراتهم وحماقاتهم المتكررة مع ابناء الشعب والاساءة اليه بأسم الملك والمخابرات .