لا داعي في مقدمة مقالتي هذه أن أذكر بتعريف \\"الإسلاميين\\" فكل مجتمعاتنا مسلمة ، و مصطلح \\"الإسلاميين\\" إنما نعني به أولئك الأفراد و الجماعات الذين آمنوا بفكرة الإسلام تشريعا و نظام حكم و منهج حياة ، و حملوا هذا الهم في دعوة للناس من أجل تنزيله على أرض الواقع. إذا فالحركات الإسلامية و من يدور في فلكها يشكلون حالة دعوية تتخذ وسائل مختلفة و متعددة للدعاية إلى أهدافها و الإعلان عن أفكارها و التسويق لمشاريعها ، و ما الدعاية و الإعلان و التسويق إلا أولى أبجديات و مفردات الإعلام. و كان من الطبيعي أن تجد الإسلاميين في عصرنا شديدي الاهتمام بوسائل الإعلام و التبليغ لأن هذا من صميم عملهم كما أسلفنا \\"إن عليك إلا البلاغ\\" ، فهذا الإمام حسن البنا رحمه الله مؤسس و مرشد جماعة الإخوان المسلمين يوكل إلى أخيه الشيخ عبد الرحمن البنا أحد أبرز أعضاء الجماعة و المرشح لخلافته تأسيس مسرح الإخوان المسلمين في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي و يبدأ أعماله بمسرحية \\"جميل بثينة\\" و مسرحية \\"صلاح الدين\\" و يكون من أبرز نجوم مسرح الإخوان المسلمين الممثلون محمود المليجي و عبد المنعم مدبولي و جورج أبيض و الممثلات فاطمة رشدي و عزيزة أمير ، بل و يوجه ممثلي الإخوان إلى الالتحاق بالمعهد العالي للتمثيل و الابتعاث إلى أوروبا لتعلم الفن هناك. و لكن من الواضح أن النكسات التي تعرضت لها الحركة الإسلامية الأم في مصر على مدى عقود و لا زالت قد أفشلت عليها كثيرا من مشاريعها الثقافية و الإعلامية و الخيرية و السياسية ، أما في خارج مصر و في أقطار عديدة تمتع الإسلاميون فيها بأجواء نسبية من الحرية و منها الأردن فلربما كان التأثر بالفكر السلفي المتشدد أحد أهم العوامل التي لا زالت تعيقنا عن الدخول الحقيقي و الفاعل إلى عالم الإعلام ، و ما زلنا إلى يومنا هذا في نقاش مستمر حول جواز استخدام الموسيقى و ظهور المرأة على خشبة المسرح و الأعمال الدرامية و العديد من المسائل العالقة التي تجاوزها الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله منذ سبعين عاما. كم كانت المفارقة محزنة عندما قرأت خبر تحفظ عائلة الإمام حسن البنا رحمه الله على قيام أحد السينمائيين بإنتاج فيلم عن حياة الإمام الراحل و جماعة الإخوان المسلمين خشية تشويه سيرتهما ، بينما لم تتمكن حركة إسلامية يعد أتباعها بالملايين في أكثر من سبعين بلدا أن تنتج فيلما سينمائيا واحدا عن تاريخها بعد أكثر من ثمانين عاما على تأسيسها. و في الأردن بدأت حركة مسرحية و إنشادية ملتزمة و هادفة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي و اتخذت من الجامعة الأردنية منطلقا لها ، و أنتجت على مستوى المسرح عدة مسرحيات مثل \\"عالم و طاغية\\" و \\"نور السلطان\\" و \\"الهجرة النبوية\\" و \\"ثورة السنابل\\" و \\"قرية كان اسمها زيتونة\\" و \\"مدينة لا تعرف الحدود\\" ، و كان من روادها الفنان أشرف أباظة ، و الدكتور ماهر أبو الحمص ، و هاشم كفاوين ، و محمود أبو غنيمة ، و كاتب هذه السطور ، و على مستوى النشيد الإسلامي كان مهرجان الأنشودة الإسلامية الأول و الثاني ، و من رواده كان محمد أبو راتب ، و راشد قشوع (أبو أحمد) ، و محمد الترمذي ، و فريد سرسك ، و غيرهم. أما اليوم فلا زال المشهد الإعلامي الإسلامي باهتا ، و على الرغم من وجود عشرات القنوات الفضائية الإسلامية على مستوى العالم إلا أن معظمها (أبيض و أسود) أقصد عمامة أو حطة بيضاء و عباءة أو جبة سوداء ، و ليس للدراما التلفزيونية و السينما فيها موضع إصبع و لا أقول \\"قدم\\" ، و على مستوى الأردن فما هي إلا صحيفة مقربة من الإسلاميين و إذاعة مسموعة من قبلهم و مواقع إلكترونية ناشئة و بضع أقراص من النشيد. سمعنا أمس عن تحطيم الفيلم السينمائي ثلاثي الأبعاد \\"أفاتار\\" الأرقام القياسية ، فبينما وصلت تكلفة إنتاج الفيلم 300 مليون دولار لأن كل صورة فيه تحتاج إلى 47 ساعة عمل، و كل ثانية من الفيلم بحاجة إلى 24 صورة، لكن وارداته خلال سبعة عشر يوما جاوزت مليار دولار، مع أن قصة الفيلم عادية جدا تحكي اختراق شاب معاق لعالم خيالي من المخلوقات الفضائية. عندما نقارن بين محتوانا الحضاري و الثقافي و بين إرثهم ندرك غزارة موروثنا و غنى ذاكرتنا الإنسانية ، و لكن عندما نقارن بين ما يبذلون و بين ما نبذل يتأكد لنا يوما بعد يوم ضرورة الطرق باستمرار على خزانة هذا الملف الهام ،، ألا و هو \\"الإسلاميون و الإعلام\\". المهندس هشام خريسات www.hishamkhraisat.com