بقلم: د. محمود أبو الرز-
كاتب ومترجم أردني/ السودان
إن تلويح إسرائيل مجدداً بتصعيد جرائمها الجماعية من خلال الإعداد المعمق لسيناريوهاتها العدوانية والتهديد الرسمي الجاد لتنفيذ اقتلاعِ وتهجيرِ جماعي جديد لسبعين ألف من إخواننا الفلسطينيين المقيمين على أرضهم ، أي أراضي (السلطة) الفلسطينية ، المُفترض فيها أضعف الإيمان أن تمارس (سلطتها؟) في حماية مواطنيها من سطوة التدخل الوحشي الإسرائيلي لاقتلاعهم من قلب مناطق (السلطة)، وتحت سمعها وبصرها وتخاذلها المريب، ليُعرِي بشكل فاضح مصائب إتفاقيات أوسلوالكارثية التي أطلقت يد أسرائيل الإجرامية بل بررت لها مواصلة ممارساتها الإحتلالية ، بتغطيةِ قانونية أوسلوية مُشينة ، وما مجازر مخيم جنين ومذابح غزة بل واغتيال أبي عماررئيس ومؤسس السلطة نفسها عنا ببعيد ؟
وبرغم قتامة الصورة وخطورة وحراجة الأوضاع فلسطينياً وعربياً ، إلا أن هناك ـ بحمد الله- مُتغيِران إيجابيان رئيسيان سيجعلان من العسير جداً على إسرائيل أن تنفذ اقتلاعاً وتهجيراً جماعياً دموياً لآلاف جدد من الفلسطينيين إلى الأقطار المجاورة ،لا سيما الأردن، دون إشعال حرب إقليمية طاحنة كتلك التي قد تعقب هجوماً كاسحاً ربما بدعم أمريكي أطلسي على إيران وسوريا ، قد يستدرج معه على الأغلب توسيعا للعدوان ليشمل لبنان والعراق وفلسطين ؟
أما المتغير الأول : فيتمثل في تآكل \"أسطورة \" قوة الردع ومخزون الرعب لدى الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد الصمود المذهل للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، فحتى إسرائيل وعلى سائر مستوياتها السياسية والعسكرية تقراليوم بأن تحقيق هجوم كاسح ناجز يؤدي إلى نكسة حزيرانية جديدة للعرب ، أصبح اليوم أضغاث أحلام وسراب بقيعة ! فقد راكم الفلسطينيون المرابطون ذخيرة هائلة من المعرفة \"بكعب أخيل\" الإسرائيلي وإرادةً راسخةً فولاذية للتشبث بأرضهم المقدسة رغم كل الممارسات الهمجية الإسرائيلية، حتى قال قائلهم تحقيقاً لا تعليقاً : \"عن هالمراح...ما في رواح – وعهد الله ما بنرحل ..عهد الله نموت ..نموت.. وما نرحل\"!
وفي جانب المتغير الثاني المضيء : راكم الأردنيون البواسل بدورهم ، وتحديداً منذ احتلال الصفة الغربية، مخزوناً استراتيجياً من الوعي المتحفز والإصرار الحازم على التصدي لمؤامرة الترانسفير (التهجير) الإسرائيلية بكل الوسائل السياسية والقانونية ، بل – وللحق أيضاً- بالعقيدة العسكرية الراسخة بأن مستقبل الأردن دولة وأرضاً ونظاماً وشعباً مرهون بمواجهة هذا التحدي الإسرائيلي المسعور بكل بسالة وإصرارواقتدار و بأداء متناغم متلاحم على كل المستويات الرسمية والشعبية !
إن هذا التحدي القديم الجديد يضعنا مجدداً ، أردنيين وفلسطينيين معاً، في الخندق الأول لمواجهة الترانسفيرالهمجي الإسرائيلي أولاً بالوعي المتحفز على خلفياته ودواعيه وتداعياته ثم بمواصلة الإعداد الواسع تكتيكياً واستراتيجياً على كل المستويات لإحباطه ورده إلى نحر الإسرائيليين المتغطرسين وحلفائهم المستكبرين العنصريين !
ولعل من أهم ضرورات الوعي والإخلاص وثبات العزيمة أن نتنبَه أن أول ثغرة قد نفتحها على أنفسنا خدمةً لعدونا هي أن نسمح بأن نُساق تحمُساً أوتسيُساً وراء العازفين وزراً على فزَاعتي :\" الحقوق المنقوصة\" و \" الوطن البديل\" سواءً بسواء ، والذين أقل ما يقال فيهن أنهم يغلبون الخاص على العام والأناني على المشترك والإنعزالي على الوحدوي، فنكون كمن سعى إلى حتفه بظلفه ، ولا فرق هنا بين الإنتحار بالخناجر أوباحتساء السموم، فكلاهما يؤدي إلى الهاوية! أليس كذلك ؟
وبناء عليه، فإن أول إجراء رسمي وشعبي ناجع لصد الإقتلاع والتهجير الجديدين ووأدهما في مهدهما لا بد أن يبدأ بسد هذه الثغرة-الفتنة ، التي لن يكون لها من وظيفة ، مهما تلبس أصحابها بلبوس الحرص على المصالح العليا للشعبين الشقيقين في الأردن وفلسطين ،سوى توهين وتفتيت الصف الواحد وتسهيل تمرير مخطط الأعداء التهجيري الإجرامي على حساب الأردن وفلسطين سواءً بسواء؟
أما الإجراء الثاني فيتمثل في إجراء مراجعة استراتيجية شاملة ، خصوصاً على المستويات السياسية والقانونية العليا ، لثغرات كل من إتفاقيتي أوسلو ووادي عربة ،بعد مرور أكثر من عقد ونصف على توقيعهما ، وذلك لفضح نقض إسرائيل المتمادي والمتواصل لروح ونص الإتفاقيتين ، برغم إجحافهما بالحقوق العربية ، بغية حشد الدعم والتأييد الدوليين لتجميدهما ،إن لم يكن إلغاؤهما، في ظل تمادي إسرائيل في جرائمها العدوانية والتهجيرية التي لا يقرها عرف إنساني ولا قانون دولي ولا يكبح جموحها العدواني وخرقها للعهود والمواثيق أي اتفاق للسلام؟
اما الإجراء الثالث الحتمي فليس سوى تقوية وتمتين الجبهة الداخلية ورص الصف الوطني قي كل من الأردن وفلسطين ، وذلك بإعادة خدمة العلم في الأردن لإعادة بناء جيل الصلابة وأخلاق الجندية العالية لا جيل العنف المنفلت والميوعة الخائبة إلى جانب مواصلة رفع الجاهزية العسكرية ، عدة وعتاداً ، للجيش العربي الأردني الباسل ( بطل الكرامة والجولان وباب الواد) ، وهنا لا يحق لأحد في العالم أن يعترض على حقنا هذا في رفع سوية جاهزيتنا لللذود عن كل شبرمن أرض أردننا المجيد ، بل على العالم الأصم الأعمى أن يرينا كيف يقف ولو لمرة واحدة في وجه العدوانية الاسرائيلية الهمجية ، التي لا تراعي إلاً ولا ذمة ولا تحترم عهداً ولا ميثاقاً؟
أما في فلسطين ، فلا ولن يستقيم الأمر أولاً إلا بإعادة اللحمة سياسياً واستراتيجياً بين الضفة وغزة وثانياً بإحياء خيارالمقاومة المدنية السلمية الواسعة (نموذج غاندي-مانديلا) وثالثاً بالحفاظ على الجاهزية العالية والمنضبطة للمقاومة المسلحة للدفاع عن الأرض والعرض أمام أي هجوم أو اختراق إسرائيلي عدواني جديد، مع الحرص على حرمان العدو من أدنى ذريعة أو مبررلمواصلة قلب المعادلة بادعائه الزائف بأنه الضحية والمقاوم المُحق \"للإرهاب\" الفلسطيني؟
وفي الختام ، فإن أسوأ سيناريو يمكن تصوره قي ظل ما تقدم هو ، لا قدر الله ، مواصلة المهاترات الفتنوية حول أوهام الوطن البديل ومزامير الحقوق المنقوصة ، بدل الإنشغال الجاد في سد الثغرات ورص الصف الأردني الفلسطيني الواحد لإجهاض المسلسل الإسرائيلي الإجرامي المتواصل ، الذي لا يألو أعداؤنا جهداً لإغراقنا عبره في خلافات \"فقاعية\" استنزافية –من صميم صنعهم وإنتاجهم- والتي لعظيم الأسف نرى البعض منا ينجربأنانية عمياء للترويج لها واللعب على حبالها الخطيرة ،دون خشية من الله أو وخز من ضمير؟ هذا في الوقت الذي نرى أعداءنا يختلقون الذرائع دون كلل أو ملل لإشعال حرب إقليمية طاحنة هي عندهم: \" ما هملخماه-\" أي \"أم الحروب\" ، يخططون في غمرة دخانها المترامي ، بل يعتقدون ، أنها ستتيح لهم ليس فقط هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث بل تدمير ما تبقى لنا من حق في فلسطين حرة كريمة وأردن سيد مستقل عبرإقامة عرش إسرائيل الكبرى في أورشليم ليصبحوا بعدئذ ،حسب أوهامهم، أسياد العالم؟
فالوعي الوعي أيها الأردنيون والفلسطينيون النُجباء البُسلاء لا يؤتين من قبلكم ؟
حفظ الله أردننا الغالي من شر كل ذي شر، ورد غربة فلسطيننا العزيزة على أهلها الأماجد وعلى أمة العرب والمسلمين ، وما ذلك على الله بعزيز!