مرّة أخرى، تقع الرواية الإعلامية الرسمية في حبائل التأخر والارتباك والارتجال في تعاملها مع قصة الأردني أبو دجانة الخراساني، الذي فجّر نفسه في قاعدة خوست بعدد من قيادات جهاز الاستخبارات الأميركية. وبينما كانت أخبار التفجير، وتورط أبو دجانة فيه، تتسيد وكالات الأنباء العالمية، وتتناقلها الصحف الأميركية الرئيسة، التي حفلت بتسريبات أمنية ورسمية أميركية، لم يكن هنالك أي رواية إعلامية أردنية مقابلة، تقدم وجهة النظر الأردنية. ثم جاءت تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال د. نبيل الشريف تنفي رواية طالبان (بتجنيد أبو دجانة من قبل الأمن الأردني)، باعتباره عميلاً مزدوجاً، إذ أكّد الناطق الرسمي أنه "لا توجد للمملكة أي صلة من قريب أو بعيد بهذا العمل" (..). المفارقة أنّ "تأكيدات" الشريف اصطدمت، مباشرةً، بالرواية المعلنة لحركة طالبان عن تفاصيل العملية وشخصية المنفذ، وبما نشرته الصحف الأميركية من معلومات موثوقة تؤكد رواية طالبان، وبما تتناقله "المواقع الجهادية" من تأكيدات حول طبيعة الهجوم. أولاً تأخّرٌ رسمي في رصد خطورة الموضوع، ثم نفي غير موفق، ولا مدروس، وارتجال في مواجهة روايات أكثر دقة وعمقاً تملأ الإعلام العربي والعالمي. وبعد أن تنبّهت الدوائر الإعلامية الرسمية لهذا المطب، صدر خبران لوكالة الأنباء الفرنسية (من عمان) يتحدثان عن الهجوم، وعن ملامح الرواية الرسمية لشخصية أبو دجانة، وتضمين لتصريحات مصدر مسؤول رفيع المستوى، مغايرة تماماً لتصريحات الناطق الرسمي في البداية! في اليوم التالي، تعاملت الصحف اليومية باجتهاد "محدود" مع صياغة الخبر، وانتقائية مع "رواية وكالة الأنباء الفرنسية"، لكن كان واضحاً أنّ المصدر واحد والجوهر هو نفسه. الرواية الإعلامية الرسمية الأخيرة، بدت أكثر جرأة وتماسكاً، مهنياً، مقارنة بالتعامل الإعلامي الباهت المعتاد مع القضايا الحساسة، ومع وجود ثغرات في الرواية، التي تفسرها "الطبيعة الأمنية" للموضوع. على الرغم من ذلك، جاءت الرواية الرسمية متأخرة، بعد "خراب مالطا"، فضلاً عن أنّها لا تمثل بالنسبة لوسائل الإعلام العربية والعالمية والغربية قيمة نوعية مضافة، بعد أن ملأت "الروايات الأخرى" الفضاء الإعلامي. من دفع الثمن هو "صورة الأردن"، التي شكّلتها الروايات الإعلامية الأخرى، بالصيغة والكيفية التي تريد، وكذلك الناطق الرسمي وكان "كبش الفدا" لهذا الارتباك، ثم وسائل الإعلام المحلية التي خسرت جولة أخرى في السبق والمصداقية، فيما فضّلت الحكومة تقديم "روايتها المحبوكة" من خلال وكالة الأنباء الفرنسية، وطلبت من الصحف اعتمادها! بلا شك، الموضوع حساس، ويرتبط بمعلومات أمنية، قد لا تكون متوافرة للمسؤولين والناطق الرسمي في البداية، لكن طبيعة الحدث، وأهميته، كانت تتطلب تشكيل مطبخ إعلامي- سياسي فوراً، وبناء تصور واضح وعميق، مبني على المعلومات، وهو ما لم يحدث، كالعادة! آن الآوان لإدراك أهمية صناعة "الرواية الإعلامية" والتعامل مع هذه السلطة العالمية- المحلية بدرجة أكبر من الاحتراف والشفافية والدقة، لما لها من منافع كبرى أو نتائج مدمّرة. m.aburumman@alghad.jo