زاد الاردن الاخباري -
"تكلم وأنت غاضب فسوف تقول أعظم كلام تندم عليه كل حياتك" حكمة قديمة قالها احدهم في سالف العصر والزمان ، الا انها لازالت صالحة للتداول إلى ايامنا هذه.
والعبارة السابقة باتت لا تتهكم على ما نقول في ساعة الغضب او كما يحلو للبعض تسميتها "ساعة شيطان" بل تعدت القول لتثبت ان ما نفعل في لحظات الغضب هذه كفيل ان يكبدنا شقاءً وعذابًا يمتد مدى ايام حياتنا.
غضب وتهور وفلتان اعصاب .. سمات الانسان المعاصر وفي معرض دفاعه عن هذه التصرفات السلبية يلقي البعض المسؤولية على الوضع الاقتصادي من صوب وعلى ظروف الحياة الصعبة من صوب آخر.
مبررات واهية لا تمنع من الوقوع في التهلكة بل وتسهم بشكل كبير في خسارة كبيرة في معظم الاحيان.
هل تغضب ؟ هل انت قادر على السيطرة على غضبك ؟ هل لديك استعداد لأن تعالج نفسك اذا ما اكتشفت انك سريعُ الغضبً ومتهور؟؟
خسرت رفيق عمري
العشريني "صالح نوَار" أكد بأنه سريع الغضب كما وأوضح انه بات يدرك الآن بأن اغلب القرارات التي يتخذها في لحظات مماثلة هي في مجملها خاطئة مستذكرا خسارته لرفيقه وصديق عمره بسبب لحظات غضب عجز معها عن التمتع بالحلم .
"التصادم والاحتكاك" الذي نجم عن فلتان اعصاب صالح في نزاع مع صديقه حصد بسببه خصومة لازالت قائمة بعد مرور سبع سنوات وعداوة مع انسان تقاسم معه سنين طويلة.
وفيما تمنى صالح ان تعود تلك الأيام وتحديدا الموقف الذي حدث بينه وبين صديقه والذي خسر على اثره صداقة عمره قال" الندم بات رفيقي حقا لانني لليوم لم اعوض هذه الخسارة".
بخار مضغوط
الثلاثيني محمود سلامة يفضل ان يعبر عن غضبه بشتى ادوات الغضب التي قد تبدأ بالصراخ وتنتهي بالضرب مثلا على ان يحتفظ ويكظم غيظه داخليا . ولسلامة وجهة نظر يشبّه فيها "الغضب بالبخار المضغوط فى إناء محكم" إذ يقول"هذا البخار اذا لم يجد منفذاً لخروجه فانه يصيب الفرد بمرض أو أكثر من تلك المجموعة المسماة بأمراض النفس - جسمية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون العصبي والصداع العصبي المزمن .. الخ ".
سلامة ليس الوحيد الذي يعتبر في التعبير عن غضبه تنفيسا وراحة بل ايده اخرون ممن استطلعنا اراءهم فكانت النتيجة ان غالبية عظمى من ابناء مجتمعنا يعتبرون الغضب عدوًا للنفس والجسد اذا ما استقر فى أحشاء الانسان،
بين الذكور والاناث
اخصائي علم الاجتماع الدكتور في جامعة البلقاء التطبيقية حسين الخزاعي أشار الى تنامي ظاهرة "فلتان الاعصاب وعدم التحكم في لحظات الغضب التي تنتاب الناس" واشار الى ان مثل هذا الأمر وارد في ظل ضغوط معينة الا ان ردع هذه الظاهرة امر مقدور عليه سيما وان اقطاب مجتمعنا باتت اليوم اكثر ثقافة واعمق تفكيرا بعواقب الامور.
وعرف خزاعي الغضب على انه"انفعال مثل الخوف والحزن والفرح والقلق ، وشعور فطري طبيعي في الإنسان ، وليس بطبيعته انفعالا سلبيا او ايجابيا ، جيدا او سيئا ، بل ان طريقة التعاطي معه هي التي تحدد معالمه".
وعن لحظات الغضب قال"انه انفعال مركب من المشاعر والأفكار والسلوك لا ينشأ وحده ، وهو انفعال ثانوي تسبقه في الظهور انفعالات مثل الخوف والحزن والإحباط ، ان اثارة هذه الإنفعالات هي التي توقظ وتكوّن وتظهر الغضب وتتحكم بشدته ومدة ظهوره".
وعن سؤال عن الفرق بين غضب الذكور وغضب الاناث قال خزاعي"يميل الذكور إلى الانفعال اكثر عند الغضب و ذلك إما بالضرب أو الرمي أو ما شابه ذلك. بينما تميل البنات إلى إستخدام الأسلوب اللفظي للتعبير عن الغضب بالشتم او الصوت العالي أو البكاء".
وجهة نظر طبية
وطبيا وتلافيا لما قد ينجم من اعراض صحية نتيجة كبت الغضب في النفس جاء على لسان الدكتور نسيم محمود المحروق اخصائي أمراض الباطنية "يمكن للشخص الغضبان القيام ببعض الأنشطة التي يسمح بها الموقف كالمشي والركض وركوب الدراجة والسباحة ، والرسم ، أو فرك اليدين والوجه او قراءة اي شيء في متناول اليد ، او حتى ترديد بعض العبارات التي تهدئ التوتر" .
واضاف"عندما يغضب الانسان يزداد مستوى الأدرينالين في جسمه وتزداد ضربات قلبه ويرتفع ضغط دمه ، وعندما يتنفس عميقا ترجع ضربات القلب الى حالتها الطبيعية وينخفض ضغط الدم ويرسل الجسم اشارات الى الدماغ بعدم الحاجة الى الأدرينالين المسبب للأعراض المذكورة ، ويعطي التنفس الراحة ويشعر الفرد بالقوة والأمان".
تمارين التنفس
يقول كريس متى المدرب في جمعية الارت اوف ليفنج في عمان إنه"في حالة الغضب الشديد يفقد الإنسانُ السيطرة على نفسه وفقدان السيطرة هو إشارة عدم الوعي أو الحضور. فالذي يتملكه الغضب الشديد لا يكون مدركا لأفعاله أو أقواله وغالباً ما يندم عليها.
ويستشهد متى بما يقول شري رافي شانكار ، مؤسس جمعية الاَرت أوف ليفينج العالمية: "في حالة الجهل يكون الغضب رخيصا أما الإبتسامة فتكون ثمينة جداً. فلتكن إبتسامتكم رخيصة و غضبكم ثمينا". و يضيف: "أحياناً ندخل إلى غرفة و نشعر بذبذبات الغضب. كنا نشعر بهدوء تام من بضع دقائق و لكن فور دخولنا الى مكان ما نشعر بالغضب والتوتر. لقد أصبح الإنسان اليوم ضحية محيطه و لا يقدرعلى السيطرة على عقله. أليس كذلك؟ إننا نلوث محيطنا بأفكارنا السلبية و لكن يلزمنا وقت طويل لمعالجة هذا الوضع".
وللسيطرة على الغضب و تفادي نتائجه السلبية ، يشير" متى" الذي يتولى تدريب كثيرين ممن يلجأون للجمعية "علينا تنمية الوعي. إن الإدراك عن حالة الغضب في لحظته هو السر لتخفيضه خمسين بالمئة و تفادي نتائجه السلبية. و تمارين التنفس التي تنبع من اليوغا هي التي تمكننا من السيطرة على مشاعرنا و أفكارنا. هناك صلة مباشرة بين التنفس و المشاعر. فور ان تتملكنا حالة الغضب يتغير نمط التنفس فيصبح سريعاً و متقطعاً. فإذاً بواسطة تمارين التنفس يمكننا فعلياً السيطرة على الغضب والمشاعر السلبية الأخرى ، وهذا ما يريده الجميع".
واعتبر "متى" الغضب لوناً من ألوان الطاقة النفسية الطبيعية التي تتخذ لها مظهراً مناسباً لكل سن و جنس. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعتبار الطفل الذي لا يغضب مطلقاً طفلاً سوياً أو على الأقل عادياً.
ويضيف"يتفق معظم علماء النفس على أن الغضب ضرورة لحماية النفس من عدوان العالم الخارجي ، ولكن عندما يصبح الفرد سهلَ الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فانه سوف يعاني من أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والإعياء الذهني و البدني وفقد الرغبة فى الاستمتاع بالحياة ، مع بعض الأعراض الاكتئابية" .
الدستور - رنا حداد