زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - البحث مرة أخرى عن مخرج للأزمة الوطنية في الأردن من قبل شخصيات مستقلة أو إجتماعية أو معارضة يعيد السجالات المألوفة منذ إندلع الربيع العربي وخلط الأوراق وبشكل يوحي بأن العملية السياسية التي حصلت مؤخرا وإنتهت بإنتخابات عامة وببرلمان 2013 لم تحقق بعد الغرض المطلوب.
سياسيون كبار وبعضهم على علاقة عضوية بمؤسسة القرار والدولة إجتمعوا مرتين على الأقل بدعوة من قياديين في جماعة الأخوان المسلمين في إطار مناقشة صريحة لحالة الإستعصاء الوطنية. الإجتماعان إنتهيا مجددا بالحديث عن إعادة النظر في قانون الصوت الواحد الإنتخابي ومراجعة ملفات الفساد ومناقشة العنف الإجتماعي وما تسميه الجبهة الوطنية للإصلاح التي يقودها أحمد عبيدات بإصرار النظام على نفس الأساليب في الإدارة.
الكلام الصريح تنوع وتتعدد وأحد الإجتماعات في منزل الشيخ عبد اللطيف عربيات شارك فيها رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري وبدعوة من القيادي الأخواني المعتدل الشيخ نمر العساف عقد اللقاء الثاني وحضرته شخصيات معتدلة وعشائرية وحتى عسكرية من طراز الشيخ برجس الحديد والجنرالان المتقاعدان مازن القاضي وأحمد المحارمة وبعض النشطاء أصحاب وجهة النظر في مسألة الحراك الشعبي.
العناوين العريضة إنتهت مجددا بالتشكيك بشرعية وإنتاجية وجدوى البرلمان الحالي وإمكانية صموده كثيرا مع الإتفاق مجددا على قصور آلية إختيار الطاقم الوزاري وقصور التحقيقات بملفات الفساد مع الدعوة مجددا لحكومة إنقاذ وطني.
هذه الشعارات والعناوين السياسية المتعلقة بالإصلاح السياسي تشكك عمليا بجدوى الذهاب نحو برلمان بدون الإسلاميين وبجدوى عملية الإنتخابات الأخيرة مع التأكيد على أن نخب المعارضة ومعها الكثير من النخب الوطنية المستقلة ليست بصدد التصفيق لإحتمالية التعايش مع برلمان 2013 الذي يتم ترويجه كمشروع ديمقراطي إصلاحي.
حتى رئيس الوزراء عبدلله النسور يخطط لركوب موجة الحديث عن قانون إنتخاب جديد حيث أبلغ القدس العربي مباشرة بأن حكومته بصدد إعداد قانون جديد قوامه ثلاثة أفكار هي عدالة أكثر في توزيع المقاعد ونسب وحصص التمثيل، وإسقاط قاعدة الصوت الواحد التي لا زالت صامدة، وثالثا إعادة تجربة القائمة الوطنية لكي تخصص للأحزاب فقط وليس مفتوحة للجماهير.
النسور يفعل ذلك ويطرح برنامجا سياسيا حتى يبدد الإنطباع العام بأن حكومته شكلت حصريا لغرض إقتصادي واحد وهو رفع الأسعار. لكن الرجل يشتكي للمقربين جدا منه من مؤامرات صغيرة تحاك ضد تجربته عبر مناكفات وتسريبات تنشرها مجموعات إعلامية مقربة من بعض أركان نادي رؤساء الوزارات السابقين.
وهي مجموعات تمول وتأتمر بتوجيهات مسؤولين سابقين يريد بعضهم إحباط تجربة النسور في الحكم والإدارة مما دفع الرجل لطلب الإذن بتعديل وزاري يجدد شباب حكومته لم يسمح له به حتى اللحظة فقد طلب منه القصر الملكي تأجيل الأمر.
المحطة الأكثر إثارة في مستوى الجدل السياسي العائد بقوة في البلاد ويتشكل خلف ستارة المشاهد المكشوفة ومن كل الأطراف يعكس وقائع جديدة في الوضع الأردني الداخلي.
مؤسسة النظام برأي خبير مخضرم فقدت تأييد دعامات أساسية في الحالة الإجتماعية عندما مورست سياسة ‘إقصاء’ منهجية ضد الأخوان المسلمين وعندما تسرب الحراك والإعتراض بقوة إلى اوساط عشائرية وقبلية تعتبر دوما الدعامة الأساسية للنظام تاريخيا.
يقول الجنرال مازن القاضي بأن حالة خوف طبيعية من المجهول إنتهت بدفع واضح وغامض من حيث أجندته لأوساط العشائر للبحث عن تعبير سياسي أو للمشاركة في الجدل السياسي.
ذلك برأي نشطاء بارزين عبر عن نفسه بسعي الأردنيين لأول مرة للبحث عن تعبير سياسي خارج نطاق مؤسسة النظام كما يلاحظ الناشط جمال طاهات فيما تساهم المماطلة في مسارات الإصلاح الواضحة وتوزيع القرار السياسي بين مراكز قوى ونفوذ تقليدية في إضعاف مصداقية الخطاب الرسمي برمته كما يرى الناشط المعروف خالد رمضان.
القاضي تقدم خلال الحوار الذي حضره في منزل الشيخ العساف بورقة عمل مقترحة بالمستوى الوطني تركز على العمل فيما بعد ثوابت حماية مؤسسة العرش بإعتبارها ضمانة لكل الأردنيين والتركيز على إستعادة هيبة الدولة ونبذ العنف الإجتماعي على أساس أن العنف لا عشيرة له كما شرح القاضي نفسه لـ’القدس العربي’. لكن تحديات خسارة مؤسسة النظام لحلفاء أساسيين في الماضي في أوساط الإسلاميين والعشائر تفرض إيقاعها بقوة خصوصا في الشارع مقابل ميل الكثير من نخب الحكم والسياسية المعروفين للتواري على الأنظار وشعور العديد من هذه الرموز بأن توليفة النخب التي تحكم الان تطرد الخبراء والمخضرمين وتحاول تهميشهم.
بالمقابل يسأل رئيس الوزراء في مجالسات خاصة: كيف يمكن لأي رئيس حكومة أن يعالج أي مشكلة إذا كان أسلافه منشغلين بإعاقته ولكل منهم أنصار في الصحافة أو البرلمان؟
لكن مصدرا مطلعا جدا يتحدث لـ’القدس العربي’ عن درجة ثالثة من التحدي تتجاوز عقم سياسات إقصاء وإبعاد الأخوان المسلمين وميل بعض أوساط العشائر للحراك والإعتراض وهو في التحدي الذي فرضه السيناريو القطري الأخير على تلك العلاقة الغامضة بين الأنظمة الملكية والربيع العربي.
التصور هنا أن ما حصل في قطر مؤخرا فرض منعطفات لايمكن إسقاطها من الحسابات في قراءة تتحدث عنها همسا حاليا نخب العاصمة عمان وسط مطالب من شخصيات وطنية وحريصة على النظام بإبتكار قواعد جديدة للعبة على أساس أن التغيير الحاصل في قطر رسالة ينبغي على الجميع خصوصا مشايخ النفط قراءتها بعمق. يحصل ذلك رغم أن العاهل الأردني تقدم قبل الجميع بإستجابة واعية جدا عندما أعلن بأن مؤسسة الملكية ستطور نفسها وتتجه نحو إطار من الملكية الدستورية.
لا يخفي نخبة من كبار رجال الدولة الأردةية شعورهم بأن الإدارة الأمريكية يمكنها في أي مرحلة أن تعيد إنتاج نواياها السلبية ضد المؤسسة الأردنية و تدعم محاولات الضغط المستمر على الأردن لأغراض تتعلق إما بتسويق خطة جون كيري المتسارعة للسلام الإقتصادي أو بتوظيف الحدود الأردنية مع سورية لخدمة ما وصفه كيري نفسه بإعادة التوازن للصراع في سورية.
ترجمة الجملة الأخيرة واضحة ويمكن تلمسها من إصرار الصحافة الأمريكية على التحدث عن عمليات تزويد سرية للمعارضة السورية المسلحة من نقاط في الحدود الأردنية.
هذه التقارير أرهقت وزير الإتصال الناطق الرسمي بإسم الحكومة الأردنية محمد مومني بسبب إضطراره لنفيها مرارا وتكرارا.
المومني أبلغ ‘القدس العربي’ إستغرابه من الإصرار على هذه الروايات مؤكدا بأن حدود بلاده ليست مكانا لنقل السلاح أو المقاتلين ملمحا لان الإصرار على نقل روايات قد يكون هدفه التشويش على الأردن.
لاحقا قال النسور علنا بحضور ‘القدس العربي’: لم تستخدم أراضينا ولن تستخدم.
لكن كلما نفت الحكومة الأردنية ذلك أصدرت صحيفة دولية في اليوم التالي تقريرا معاكسا في إيقاع إعلامي ممنهج يثير قلق الأردن من وجود نوايا وأجندات غير مكشوفة هدفها الضغط على القرار السياسي لإنجاز ‘وظيفة ما’.
وهي الوظيفة التي تشكل برأي الخبراء التحدي الثالث الأبرز ليس فقط امام النظام الأردني ولكن أمام أي محاولة لترتيب الخارطة وإستعادة زمام المبادرة داخليا.
القدس العربي