زاد الاردن الاخباري -
حملة تستحق التقدير تلك التي يقودها وزير المياه حازم الناصر في سبيل مكافحة سرقات المياه المقدرة بـ 20 بالمئة من مجمل العرض المائي في المملكة.
الحملة اشتملت على ردم لآبار غير قانونية، قطع للمياه عن غير الملتزمين، بالإضافة إلى توجه غير مسبوق لنشر أسماء المعتدين وغير الملتزمين على وسائل الإعلام.
أما التبرير الذي وفرته الوزارة لحملتها فإن نشاط سرقة المياه ضرب من ضروب "الخيانة الوطنية" في اصطلاح يوضح أن لا فرق بين من يسرق المال العام وبين من لا يلتزم بدفع مستحقاته للدولة.
اللافت أن وزارة المياه وعلى غير العادة ارتأت الابتعاد عن الحل الأسهل ممثلا برفع التعرفة المائية على المواطنين، ليكون خيارها تحمل مزيد من الجهد الهادف إلى تخفيض فاقد الشبكة المائية المقدر بـ 40 بالمئة على أقل تقدير.
تبني الخيار الأصعب لحل إشكالية قطاع المياه لم يأت نتيجة وضع مالي أقل احتقانا مقارنة بما تواجهه قطاعات أخرى كالطاقة وغيرها ممن يشملها الدعم الحكومي.
فالمطلعون على الوضع المالي لسلطة المياه يؤكدون أن تأجيل المشكلة عاما بعد عام قد يدفع بمديونيتها نحو مستوى الـ 2 مليار دينار في غضون 3 سنوات على أكثر تقدير.
وبمعنى أن الوزارة قد آثرت الابتعاد عن جيب المواطن لا لوضع مالي مريح إنما لرؤية تجد في تضييق الهدر ومحاربة السرقات وسيلة أنجح في ظل ظرف سياسي واقتصادي هو الأصعب من عقود.
أهمية الحملة التي أطلقتها وزارة المياه تمتد لتشكل درسا لغيرها من الهيئات والوزارات التي لجأت دوما إلى جيب المواطن في انحياز واضح لصالح التهرب والمتهربين.
فبينما تتباهى الحكومة أمام صندوق النقد الدولي برفعها الدعم عن المحروقات، تعجز وزارة المالية حتى اللحظة عن تحقيق ما اشترطه عليها الصندوق نفسه على صعيد التسجيل الضريبي وتحصيل المستحقات الضريبية المتراكمة.
بل إن بيانات صندوق النقد الدولي تثبت بأن هذه المستحقات قد نمت من نحو 4.50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2008 وبواقع 700 مليون دينار إلى 6.50 بالمئة أو ما يعادل 1.50 مليار دينار في 2012.
وبينما لا تألو ضريبة الدخل جهدا في جلب الموظفين الملتزمين لمراجعتها بغية تدقيق لا يحقق أي إيراد حقيقي للخزينة، تبقى معدلات التهرب الضريبي عند مستوى 800 مليون دينار سنويا وبما يعادل 5 بالمئة من مجمل الاقتصاد الوطني.
يترتب على الخطوة الأخيرة لوزارة المياه جملة من التساؤلات الممكن توجيهها إلى وزارة المالية ممثلة بدائرة ضريبة الدخل والمبيعات.
فلماذا لا يتم الإعلان عن أسماء المتهربين ضريبيا وغير المسددين لمستحقاتهم علنا عبر وسائل الإعلام؟ ولماذا لا يتم تعطيل جميع الخدمات الحكومية عن المتهربين من ماء و كهرباء وتراخيص وسفر وأية معاملات رسمية؟ ولماذا تلجأ الحكومة إلى تخفيض الإعفاء الضريبي للموظف الملتزم ورفع معدلات الضريبة بينما لا يكون هناك أي توجه جدي لزيادة عدد المحصلين وتفعيل آليات التحصيل الضريبي؟
لا تسلم الوزارات والهيئات الأخرى من تساؤلات مشابهة ترتبها الحملة الأخيرة لوزارة المياه. ففاقد شبكة الكهرباء يصل سنويا إلى 300 مليون دينار من دون اكتراث حكومي يذكر، مقابل ارتفاع لأرباح شركات الكهرباء المخصخصة في التوقيت الذي تسعى فيه الحكومة لرفع التعرفة الكهربائية على المواطنين.
الحكم على نجاح تجربة وزارة المياه مبكر وقد يحتاج إلى أشهر أو سنوات. بيد أن المبادرة بحد ذاتها إيجابية وتنطوي على تجنب للعقلية الجبائية من جهة، وفرض للعدالة وسيادة القانون من جهة أخرى.
تشجيع هذه الحملة واستنساخ منهجيتها لدى الوزارات الأخرى رئيسي لعبور مرحلة ضاق المواطن بها ذرعا من تراكم الأعباء الاقتصادية.
التفاؤل بهذه الحملة يقود إلى تفاؤل مقابل أيضا في ملفات أخرى تشرف على معالجتها وزارة المياه، من أهمها مياه الديسي و تسعيرة صهاريج المياه والوصول بالتسعيرة المائية إلى مستوى تصبح فيه أداة من أدوات التوجيه الاقتصادي على المستوى الزراعي والصناعي والتجاري.
العرب اليوم