حالة من الهستيريا تسود قواعد الجماعة في هذه الايام, وحرب الكترونية ضروس تدور تحت اسماء مستعارة, وتراجع نوعي في مستوى الكلام والردود ينبئ بوجود هوة واسعة بين طرفي الجماعة قد لا تنفع معها حكمة الاخوان بمنع طالبان من فعل ما تفعل!!) هذا بعضٌ من التعبيرات التي وردت في المواقع الاخبارية تعبيرًا عن الازمة الداخلية لجماعة الاخوان و التي يستغلها البعض لكي يجعل فيها التصورات التي يريد، و يسكبُ في جرحها السم الذي يشاء لكي يخلط الاوراق و يؤلب النفوس التي باتت الكلمة الواحدة تزرع فيها جرحًا يصعب علاجه ، و لقد ترددتُ كثيرا قبل أن اكتب لاني أعرف أن الموضوع شائك و حساس ، و لكني أرى أن الخوض فيه بحكمة و موضوعية هو العقل و الصواب و ليس الوقوف و التفرج و كظم الغيظ ،فالموقف خطير و الاحداث جلل و لا بد لنا من كلمة ننصح بها، و تذكرتُ وأنا أكتب تلك الحكمة التي قالها لي يومًا (عمي ) يوسف العظم رحمه الله حيث قال : العقلُ سراج .. و الغضبُ ريح يُطفئُ هذا السراج ، فاين أنتم يا حُكماء الاخوان !!.
ساتحدث بلغة هندسية تميل الى التحليل ووضع الامور في نصابها قدر الامكان فأقولُ أولا باننا في جماعة الاخوان قد تربينا منذ نعومة أظفارنا على مبدأ السمع و الطاعة للقيادة فيما نكره و فيما نحب، و لقد كان نقباء الاخوان يزرعون هذه القيم و يعززونها بطرق مختلفة و كان هذا المبدأ ومازال هو المبدأ السائد و المقبول في التربية الاخوانية ، وعلى ذلك أرى بأن قرار مجلس شورى الاخوان الاخير هو قرارٌ ملزمٌ للجميع حتى وإن خالف أهوائنا حتى وإن كان الاصوب هو عكس ما قرر الشورى ،و لكننا امام أمر تنظيمي يجب أن يُطبّق ،خصوصا إن التيارين قد قبلوا بترشيح شخصين داخل الشورى ليتم الاتفاق على إسم صريح يكون أمينا عاما للجبهة و بما ان التياران قد وافقا على الترشيح و الانتخاب داخل شورى الاخوان فيجب أن يتقبلا النتائج و التبعات مهما كانت وكيفما حصلت .
في نفس الوقت لا بد من الادراك و اليقين بأن حزب جبهة العمل قد بلغ أشده وأصبح قادرا على اتخاذ قراراته بنفسه خصوصا أن غالبية أعضاء الجبهة اصبحوا من جماعة الاخوان بعد أن غادر المستقلون إما تهميشًا او اقصاءً أو رغبة ، فمن غير المعقول و المقبول عقلا أن يتم اتخاذ قرارات رئيسية نيابة عن حزب الجبهة الذي يستطيع أن يدير نفسه خصوصا أن بين جنباته كفاءات حزبية وتنظيمية ونقابية متقدمة تستطيع أن تقود الحزب بمهارة و تفوق ،وأن من ينادي بخروج الحزب من عباءة الاخوان يطالب بمطلب شرعي و منطقي و عملي ضمن ضوابط وأسس لا بد من إعادة الاتفاق عليها حيث أن اللوائح التي تحكم علاقة الحزب بالجماعة قد مضى عليها وقت طويل منذ تاسيس الحزب ،و لا بد من مراجعتها و اعادة دراستها ، و لعلي اهمس في اذن البعض الذي يعارض ذلك المثل الذي يقول (إذا كبر إبنك .. خاويه) فكما استطاع الابن الاكبر (حماس) أن يخرج من عباءة الاخوان مع وجود التنسيق و التوافق و الترتيب و اصبحت حركة جهادية متقدمة تدافع عن الامة باكملها و تحمل مشروعا فيه عز الامة و نصرها ، يستطيع هذا الابن الاصغر أن يخرج ايضا بترتيب و تناسق و توافق وان نعطيه المجال حتى يتقدم و يقود .
ان ما حصل يوم السبت الاسود في تاريخ الجماعة لا بد ان ننظر اليه بعين الانصاف و الموضوعية ايضا، فالمطالب التي تقول بأن الانتخابات التي تلت عقب رفع الجلسة من رئيس السن هي انتخابات باطلة هي مطالب شرعية و حقيقية و لا يقول بعكس ذلك أي جهة تُحكّم الاعراف و القوانين و الاسس القانونية المعروفة، و لذلك يكون الرئيسُ رئيسًا، و يكون هو المسئول عرفا و تنظيما عن الجلسة و مجرياتها و تبعاتها و لا بد من اطاعة أمره و احترام قراراته و التي هي مُلزمة للجميع ، و لا يجوز الالتفاف على قراره بطريقة أو باخرى و الحقُ أحقُ أن يُتبع .
لا بد من الاشارة أيضا ان هناك مجموعة من الفتن الداخلية التي تحيط بالجماعة منذ فترة طويلة و التي تم غض الطرف عنها لاسباب كثيرة و لم يتم الحديث فيها بصراحة ووضوح و جرأة، ساهمت سلبا في خروج اشخاص معينين من الجماعة أو دخول اشخاص معينين لدوائر صنع القرار، و أن هناك استقطابا معينا لتوجهات مختلفة و هناك اتهامات باطلة و زائفة يغذيها البعض من هنا أو من هناك، و هناك اشاعات تخرج بين الفينة و الاخرى تسيئ لا شخاص بعينهم وتتهمهم في نياتهم و في توجهاتهم التي لا يعلمها الا الله ، فانزلق الكثيريون هذا المنزلق الخطر و اصبح الاستقطاب يشكل ظاهرة مؤسفة ، و لا تعجب إن تم تصنيفك مع هذه الجهة او مع تلك لانك قد صافحت فلان أو ضحكت في وجه آخر أو عبست في وجه ثالث او صاهرت فلانا ، و لا تعجب ايضا إن رأيت أخًا لك يحمل ملفا خاصا فيه زلاتك و عثراتك و أخطاءك و الذي يقوم بنشره في الصباح و المساء و يسهر الليالي الطوال لحياكة المرافعة لتي سيقولها أمام جمع من الاخوة الذين ينظرون بعين الشفقة احيانا على القائل الذي امتلأ قلبه غيظا ،او بعين الحسرة على الجماعة التي ستخسر في نهاية المطاف و تتراجع و تفقد موقعها المتقدم ، في فتنة لا بد فيها من تحكيم العقل و النظر بعين الشخص المحب المشفق الناصح الامين الامر الذي بتنا نفتقده هذه الايام . هذه الفتن لتي لا بد من وأدها بحكمة القيادة التي يجب أن تكون للجميع و التي يجب أن تضع حدا للمسيئين و اصحاب الفتن وأن تحاسبهم على عبثهم بالجماعة .
اذن ما الحل ؟ هل نرفع شعارنا داخل الجماعة و نقول بان الاسلام هو الحل! ، ذلك الشعار الذي انتصرنا فيه و قدمنا الكثير في هذه الدعوة من أجله ، هل نستطيع أن نعيد صياغته داخليا مرة أخرى لينير لنا الطريق من جديد ؟ ، هل نطلب من حكماء الاخوان و عقلائهم ان يشكلوا مجلسا نسميه مجلس الحكماء و العقلاء يقيّمون فيه المرحلة و ينصفون الجميع بلا استثناء؟ هل نطلب من شباب الاخوان أن يقولوا قولتهم بطريقة تُخرج الجماعة من هذا المأزق ،فنحن لا نكاد نخرج من ازمة الا و يطل علينا ما هو أنكى وأشد ،هل نحن أمام مرحلة جديدة لا ندرك طبيعتها سوف تقودنا بلا شك الى مخاض عسير لمولود لا نعرف مواصفاته؟ هل نصرخ بوجه العابثين كفى عبثا ، عودوا الى صوابكم و رشدكم ؟
عندما كان يقول علية الصلاة و السلام في بعض أيامه (أشيروا علي ايها الناس) كان يقصد أشخاصا محددين لهم مواصفات بشرية متقدمة يستطيعون رأب الصدع و حل الخلاف و الخروج من المشاكل ، لانهم فريق صادق و فريق نقي هدفهم واضح و جلي ،لا يخططون بليل و لا يكيدون بنهار ، و لا يُحاسبون على النوايا و لا يتفترضون السوء ، بالله عليكم أين انتم ؟ بل اين هم ؟
م. غيث هاني القضاة
ghaith@azure-pools.com