في معترك الأحداث والتطورات والأزمات المتلاحقة التي نمر بها،قد نفقد البوصلة ونغرق في التفاصيل ونبتعد عن الثوابت الراسخة والمنطلقات الأساسية،وقد ندخل في حالة من الجدل العقيم غير المثمر ،و قد ننخرط في ملهاة العبث السياسي والاجتماعي والفكري التي لاتنتج شيئا مفيدا يمكننا البناء عليه.
في الحقيقة هناك حالة أردنية عامة عنوانها القلق في أعقاب سلسلة التصريحات والقرارات الصادرة عن الدوائر والرموز الرسمية الصهيونية التي تستهدف الأردن، ومنها الدعوة للعودة لما يسمى الخيار الأردني، والحديث الصهيوني حول الدولة البديلة والوطن البديل، وسياسات الترانسفير والاستيطان المعلنة.
وقد اثمرت هذه الحالة حراكا سياسيا وفكريا واجتماعيا ملحوظا،كما شهد الأردن مظاهر جديدة من الفعل الاحتجاجي،تؤكد أن المجتمع الأردني بات مثقلا بالهموم والتحديات.وفي ظني أن الأمور اختلط فيها الخاص بالعام،والتكتيكي بالاستراتيجي، وإن كان هذا يؤكد حيوية المجتمع الأردني،وصلابة الدولة الأردنية،فإنه يؤكد جدية التحديات التي تواجهنا،وخطورة المشكلات التي تؤرقنا.
وتعددت بطبيعة الحال الرؤى والاجتهادات والمواقف حيال ذاك كله. وراح الانسان الأردني يتسائل مالذي يجري ؟ولماذا يحدث كل هذا الآن؟ وماهي الدوافع والاسباب؟ وما هو السبيل الآمن للمستقبل؟
لكن الأردنيين يتساءلون أيصا حول كيفية مواجهة هذه التحديات؟ وهل هذه التحديات جديدة وغير معهودة،ولم يعرفها الأردن عبر مسيرته المثقلة بالأخطار ؟
عندما نتفحص مسيرة الأردن المعاصر منذ تأسيس الإمارة الأردنية (إمارة الشرق العربي) وحتى هذه اللحظة،وعبر سني الصبر والكفاح الوطني المشبعة بالآلام والآمال نجد أن النشوء السياسي الأردني كان ثمرة من ثمار المشروع الهاشمي،واننا كنا منذ التشكل السياسي الأول نتفيأ ظلال مشروع الأمة العربية النهضوي الذي نجح في تشكيل حالة نهضوية وحدوية استقلالية عربية جادة تمتلك مقومات النجاح والتقدم ،لكنها عانت من العوائق والاعتراضات والمؤامرات الدولية الاستعمارية –الصهيونية،إدراكا من الأعداء بأن المشروع الهاشمي الوحدوي يشكل النقيض الحقيقي والواقعي للمشروع الصهيوني – الاستعماري ؛فمنذ انطلاقه اي المشروع الهاشمي،ونجاحه في تأسيس الممالك العربية في مكة ودمشق وبغداد وعمان، وجد نفسه مرتطما بالمشاريع الاستعمارية،وبالعجز والجهل والتشرذم العربي .
وهذا ما أدى إلى ازالة الممالك الهاشمية في مكة ودمشق وبغداد،لكن المملكة الأردنية الهاشمية بقيت تحمل بيارق المشروع الهاشمي، وتتبنى مشاريع توحيد سورية الكبرى والهلال الخصيب، وتقوم بعبء مواجهة المشروع الصهيوني على أطول واخطر الجبهات ، وتتعاطى بشكل يومي وتفصيلي مع نتائج واستحقاقات المشروع الصهيوني ؛فقد شكل النشؤ السياسي الأردني على يد الملك المؤسس نقيضا للنشؤ الاستعماري الاستيطاني الاحلالي الصهيوني ،وتمكن المشروع الهاشمي من انقاذ الأردن من براثن وعد بلفور،وأحلام المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل لمد استحقاقات الوعد المشؤوم شرقي النهر. كما شكل الجهاد الأردني في حرب 1948 وصون الضفة الغربية من الوقوع في قبضة الكيان الغاصب،وتحقيق الوحدة بين الضفتين عائقا كبيرا في وجه الأحلام التوسعية الصهيونية ومثّل القاعدة التي ينطلق منها الفلسطينيون والعرب اليوم للدفاع عن الحقوق العربية السليبة في فلسطين؛فأقصى أماني العرب اليوم العودة لحدود الخامس من حزيران1967! ومن هنا تولد إيماننا أردنيين وفلسطينيين بأهمية الالتفاف حول المشروع الهاشمي ،وبضرورة النظر للهويتين الفلسطينية والأردنية بوصفهما هويتين عربيتين نضاليتين ينبغي حمايتهما وصونهما والدفاع عنهما. و بما أن المخططات الصهيونية تستهدف الهويتين ،فإن المصلحة تقتضي جعلهما في حالة من التكامل والتكافل المؤسس ليس فقط على ركائز اللغة والدين والنسب والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة بل وأيضا على قاعدة التصدي للخطر الصهيوني،وفي أفياء المشروع الهاشمي القادر دوما على التسامي فوق الهويات الفرعية .وليس هناك من خطر يتهدد الهويتين ويخدم الأجندات الصهيونية أشد من خطر وقوفهما متناقضتين متصارعتين.
والرؤية الهاشمية اليوم واضحة في تصديها ورفضها لمؤامرة الوطن البديل والخيار الأردني وسياسات الترانسفير ،كما في اسنادها لحق الشعب الفلسطيني في العودة و إقامة دولته المستقلة القابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.
اما على الساحة الأردنية وفي ظل الواقع التاريخي للتشكل السياسي والاجتماعي الأردني فإن المشروع الهاشمي هو الأقدر على حفظ تماسك المكونات الأردنية من المنابت والأصول المتعددة كافة،وحماية حقوق الموطنة الكاملة،وصون حقوق اللاجئين في العودة وتقرير المصير .
وهذا الميثاق الوطني الأردني الذي صنع على عين الملك الراحل الحسين بن طلال وبمشاركة التكوينات الأردنية المتنوعة،وفي لحظة تاريخية حاسمة،يؤكد خصوصية العلاقة الأردنية-الفلسطينية ، وانه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تفهم هذه العلاقة أو أن تستغل أي حالة فيها من أي طرف وتحت أي ظرف،لتصبح مدخلا للانتقاص من شكل المواطنة وواجباتها، أو سببا لإضعاف الدولة الأردنية من الداخل، وخلق الظروف التي تؤدي إلى تمرير المشروع الصهيوني لتحويل الأردن إلى بديل عن فلسطين ،وبهذا المفهوم يصبح الالتزام بأمن الأردن الوطني والقومي مسؤولية تقع على عاتق المواطنين جميعا.
ومن هنا فإن المبادرة الوطنية الجادة التي يقودها دولة السيد احمد عبيدات رئيس لجنة صياغة الميثاق الوطني تستحق التقدير وينبغي أن تتأطر بجهد وطني عام يسند الجهود الملكية لتصليب الوحدة الوطنية الأردنية،والدفاع عن الحقوق الأردنية والفلسطينية.
وهذا يذكرنا أردنيا بأهمية عدم المس بالوحدة الوطنية الأردنية بأي شكل من الأشكال ،مما يستلزم في مقدمة ما يستلزم حماية حقوق المواطنة وترسيخها،مترافقا مع تصليب السياسات والاجراءات الأردنية المضادة للترانسفير والتوطين السياسي والتجنيس المشبوه.
أما فلسطينياً فإن الوحدة الوطنية الفلسطينية باتت تشكل متطلبا إجباريا لحفظ حقوق الفلسطينيين في عودتهم وأرضهم و هويتهم ودولتهم.
وجلالة الملك واضح كل الوضوح في مواقفه وتوجهاته، فالأردن في المشروع الهاشمي كبير وقوي وصامد ولن تناله سهام الحقد والتآمر الصهيونية وغير الصهيونية. وما على الأردنيين سوى إعادة قراءة عناصر القوة في تاريخ الاردن المعاصر لجهة تعزيزها وترسيخها ،وفي الطليعة منها الالتفاف حول الرؤية الملكية للأردن القادم، المستندة لحقيقة أن المشروع الهاشمي كان وسيبقى هو سبيلنا.
Bassam_btoush@yahoo.com