- ان المطالع لبيان حزب التيار الوطني يدرك انه بيان دبلوماسي في الدرجة الأولى أكثر منه سياسي يخاطب المرحلة ، لكنه لا يقدم تحليلا او حتى حلا للعاصفة المدوية هذه الأيام ، ولو قارنته بخطابات الحزب قبل خمسة سنوات لم تجد فيه الجديد مجمل بكلمات وتعابير جميله كالحفاظ على الوحدة الوطنية ، التوازن الداخلي ، الحفاظ على المنجزات والمكتسبات ، العلاقة التاريخية ، الثوابت ألأردنية وغيرها مما يحمله البيان من كلمات لم تعد مفهومه او معربه ! وبات تسويقها صعب في ضل ما يجري من تطورات .
السؤال المهم : ماذا تبقى من تلك الثوابت الأردنية بعد كل ما يجري الآن !
كل الثوابت التي يتحدث عنها البيان \" الدبلوماسي \" إما أنها تغيرت بفعل التطورات الاخيره المتعلقة بالتطورات الجارية وتبعاتها على الساحة المحلية ، بحيث لم يعد منها إلا ثابت واحد وهو نظامنا الأردني الهاشمي الذي نفخر به جميعا ونعتبره صمام الأمان في كل منعطفات الوطن وتحدياته ، وأما بقية الثوابت فقد تحركت أو تشوهت واختلطت بثوابت أخرى ضاعت معها ألصوره الحقيقية للانتماء والوطنية ! فمفهوم الديمقراطية إحدى ثوابت نظامنا السياسي والاجتماعي قد تشوه إلى الحد اللا معقول ! بفعل الانقلابات التي تستهدف مؤسساتنا الديمقراطية وعلى رأسها مجلس النواب ، او في إصدار قوانين انتخابية عجيبة غريبة تتبدل وتتغير وتتلون بفعل التطورات ، فالثابت هنا معدوم ، وما ثوابت العدالة فهي مرتبطة بمزاجية الحكومات ، فتارة تشد من أزرها تجاه قضية وطنية ، وتارة تتراخى حد الميوعة تجاه نفس القضية ، وقس على ذلك قضايا مكافحة وملاحقة الفساد ، وهي كذلك تخضع للتطورات الجارية في البلاد وطبيعة الحكومات المتعاقبة ، وباتت العدالة تلبي احتياجات الحكومات للتعامل مع المعارضة او لتصفية الحسابات مع الأخر !
أما الفقر والجوع واحترام ، فأن المدافع عنهما يلقى ما يلقاه محمد السنيد واللوانسه وعشرات العمال ممن القوا في الشارع بفعل قرار وزير ألزراعه ، وتعرضهم للضرب والرفس والاعتقال بالرغم من عدالة قضيتهم التي ناهز النضال من اجلها شهور عديدة ، هي مثال على تغير ثابت الحرية في التعبير و الدفاع عن الظلم !
أما متغير الهوية الوطنية الأردنية فنحن الشعب الوحيد في العالم الذي إذا ذكر بفخر واعتزاز هويته الوطنية واعتزازه بوطنه وقيادته اتهم بالعنصرية أو الإقليمية ، وان تولى احد أبنائه إحدى الوظائف العليا صار النظام برمته نظام عنصريا ( ابارتيد ) على حد تعبير سامر بو لبده وايفا أبو حلاوة !! وبات المنتمي لوطنه والحريص والمدافع عن استقراره وبقائه وقوته بات يوصف بالإقليمي او العنصري ويحتاج إلى العلاج ، والعلاج في بلادنا له طرقه ووسائله المختلفة ، إما بالإسكات بالطرق المعهودة او تجييش تحالفات مناقضة لما تطرحه فئة من تلك الفئات تتصدى له وتتفرغ بكشف عيوبه وأطروحاته ، فماذا تبقى يا سيدي من تلك الثوابت !!
كنت انتظر ، و ليس بفارغ الصبر ان ينطق حزب التيار الوطني بأكثر من هذا ، وكان عليه أن يضع النقاط على الحروف ، ليس انحيازا لجهة ما ، بقدر ما هو موقفه الذي يتمسك به ويدعو له ، والذي أراه هنا مخالف لكل برامجه السياسية التي استطاع نشرها عبر السنوات الماضية بين الشباب ، فهل جاء البيان ليحسن صورة الحزب وليبعد عنه تهمة الإقليمية التي يوجهها إليه البعض ، أم إنها الحيرة التي أصابت الحليم !