كثيرا ما نزعم الكمال والمثالية والفضل في الأشياء ؛ ولا نصدق مع أنفسنا الا في مناسبات قليلة؛ ثم أننا نحاول اسقاط ما بداخلنا وما نعاني منه على الآخرين سواء في الكتابة أو في مجالات الحياة الأخرى.
ولنأخذ الكتابة نموذجا؛ فالكتابة هي صورة من صور معاناة المجتمع في كل نواحي الحياة؛ وهناك مقالات لا حصر لها والتي تطرح العديد من القضايا ؛ وتحمل وجهات نظر معينة قد تكون صحيحة أو غير صحيحة؛ ومهما يكن الأمر فأننا لا نستطيع الفصل بين الكتابة أو ما هو مكتوب وبين الكاتب؛ أذ أن الكتابة هي مرآة للكاتب في أغلب الأحيان.
في كتاباتنا نزعم التمام أو الكمال؛ ونصور أنفسنا على أننا حكماء وواعظين؛ ننتقد الآخرين ونتناسى أنفسنا؛ نكتب عن الصدق والكذب والنفاق والمجاملات والأمانة والضمير؛ نكتب عن بر الوالدين وصلة الأرحام؛ نكتب عن التلون والنفاق؛نكتب في كل الأشياء.
وكل الكتابات التي تنتقد سلبيات المجتمع يجمعها رابط واحد؛ هو أن الكاتب بغض النظر عن شخصه هو أنسان على درجة عالية من الوعي والكمال؛ ومن المستحيل أن يعترف أطلاقا بأن القضية التي يعالجها أو يطرحها هو واحد ممن يعانون منها أو واحد من المصابين بها؛ اذ أننا في الكتابة نوجه الأتهام للآخرين في الوقت الذي قد نعاني فيه نحن من أعراض ما ننكره على الآخرين بدرجة أخطر وأشد منهم.
كثيرون هم من كتبوا بالعقوق مثلا لكن واحدا من هؤلاء لم يعترف بأنه عق واحدا من والديه ولو لمرة واحدة ولو من باب الخطأ.
يكتبون عن الظلم لكن أحدا منهم لم يعترف بأنه ظالم أو ظلم بدرجة أو بأخرى في حياته. يكتبون عن الفساد أو الرذيلة أو النفاق لكن واحدا أو نصف واحد من هؤلاء لم يعترف ولو لمرة بأن له شأن قريب أو بعيد بالفساد أو الرذيلة أو النفاق.
الآخرون هم في قفص الأتهام وداخل دوائر لا حصر لها من الشكوك والريبة دائما؛ أما من يكتب فليس مطالبا بالأعتراف أبدا بأي تقصير في أية ناحية من نواحي عديدة مما يكتب أو ينتقد.
والأسوأ من كل هذا أن يصل بعض الكتّاب الى الغرور ويظنون أنهم خرقوا الأرض وبلغوا الجبال طولا؛ وأنهم فوق الجميع والقراء لا يفهمون كلامهم ويؤولونه تأويلات شتى؛ وكأنهم يقول:
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
القاريء هو الأصل في وجود الكاتب؛ والا فلمن يكتب أي كاتب؛ القاريء هو الأساس ولا يجوز بأي حال استغفاله أو محاولة اتهامه بالجهل وعدم الوعي الأدراك والأستعلاء عليه بأي صورة أو شكل.
النقد سهل ومن أسهل الأمور التي قد نمارسها في حياتنا؛ لكن الصدق مع النفس والأعتراف بالخطأ أو الأخطاء أمر تأنفه الأنفس كثيرا وترفضه؛ فالطبيب أحيانا قد يكون بحاجة الى المداواة أكثر من المريض نفسه.
والأمر الأخير الذي ينبغي أن أذكره وهو أن القلم لا يأبى ولا يرفض أن يكتب مهما كانت طبيعة اليد التي تطوقه وتجبره على الكتابه؛ سواء أكانت يد لأنسان صادق بمبادئه أم مجرد كاذب ومخادع ولا يجيد الا فن الرقص على الكلمات؛ أو أنه يعتاش على فتات ما يكتب ويسوقه للآخرين من كلام.. مجرد كلام.
riyad_rababah@yahoo.com