زاد الاردن الاخباري -
ليست مصر وحدها في مرحلة مخاض. المنطقة كلّها في مرحلة مشابهة. وهذا يعني في طبيعة الحال أنّ على الدول العربية حماية نفسها من الاخطار التي تهددها والتي يعتبر التطرّف الديني في طليعتها.
من الواضح أن الاردن يعرف ذلك قبل غيره. لا لشيء، سوى لأنّ المملكة،عانت الى جانب دول عربية اخرى في منطقة الخليج العربي، من تسلل الاخوان المسلمين الى التعليم وغير التعليم. انّها بين أكثر من يعرف طبيعة هذا التنظيم معرفة أكثر من جيّدة.
من هذا المنطلق، لم يتردّد الملك عبدالله الثاني في التوجه الى القاهرة لعقد لقاء مع الرئيس المصري الموقت عدلي منصور. اصبح بذلك أول زعيم عربي يزور مصر بعد الثورة الثانية التي ازاحت عن صدور المصريين كابوس الاخوان.
ما فعله عبدالله الثاني كان فعل ايمان بمصر وقدرتها على تجاوز محنتها، على الرغم من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها البلد العربي الاكبر. هذه المشاكل سيكون من الصعب التغلّب عليها من دون دعم عربي حقيقي للمرحلة الانتقالية التي هي قبل أي شيء استجابة لخيارات الشعب المصري الذي قرّر التخلص من حكم الاخوان بكل ما يمثله من تخلف على كلّ صعيد. في الواقع، لم تأت زيارة العاهل الاردني من فراغ. من حسن الحظ أن هناك بين العرب من ادرك باكرا أهمّية دعم المرحلة الانتقالية وخارطة الطريق التي رسمتها المؤسسة العسكرية التي قرّرت الانحياز الى خيارات الشعب المصري من دون مواربة. من هذا المنطلق، زار القاهرة فور حصول التغيير ونجاح الثورة الثانية وفد اماراتي برئاسة الشيخ هزّاع بن زايد مستشار الامن القومي. كانت الامارات أوّل من أعلن عن مساعدات لمصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار. هذا المبلغ ليس سوى بداية. انها بداية استثمار في الاستقرار العربي والاقليمي وفي دعم مصر كي تلعب دورها في مجال ايجاد توازن في المنطقة.
لم تقصّر المملكة العربية السعودية التي تبرعت بخمسة مليارات دولار. تلتها الكويت التي تبرّعت بدورها باربعة مليارات دولار. فالمطلوب وقوف مصر على رجليها. بكلام أوضح، مطلوب تفادي سقوط مصر بعدما ذهب الاخوان المسلمون بعيدا في سياسة تصبّ في انهاء دور مصر العربي والاقليمي من جهة ولعب دور حصان طروادة، لمصلحة ايران، في المنظومة الاقليمية من جهة اخرى.
لم يتردد الرئيس المخلوع محمّد مرسي، الذي لم يكن أكثر من واجهة للقيادة الاخوانية، في الذهاب بعيدا في مغازلة ايران بهدف ابتزاز عرب الخليج. ولمّا وجد أن مثل هذا الغزل سيرتد عليه سلبا في الداخل المصري، شنّ حملة شعواء على النظام السوري...لا فائدة تذكر منها على الصعيد العملي. لم تؤد تلك الحملة الى أي نتائج ايجابية في سوريا نفسها، بل أظهرت أنّ هناك حال ضياع مصرية لا تفيد في شيء عندما يتعلّق الامر بدعم ثورة الشعب السوري في مواجهة نظام لا يؤمن سوى بالغاء الآخر، حتى لو كان المطلوب الغاءه الشعب السوري بكامله بنسائه ورجاله واطفاله وشيوخه.
كان لا بدّ من انقاذ مصر. تندرج الزيارة السريعة التي قام بها عبدالله الثاني للقاهرة في هذا السياق. فما كشفته تطورات السنوات الـ35 الاخيرة أن لا غنى للعرب عن مصر ولا غنى لمصر عن العرب. في النهاية، جرّب العرب مقاطعة مصر بعد زيارة الرئيس انور السادات للقدس المحتلة في 1977 ثم التوصل الى اتفاقي كامب ديفيد في 1978 وتوقيع معاهدة السلام المصرية- الاسرائيلية في آذار- مارس 1979. كان فشلهم فشلا ذريعا. عادوا الى مصر ابتداء من خريف العام 1987 في قمة انعقدت في عمّان وليس في أي مكان آخر. في الواقع، عادوا الى مصر وعادت مصر اليهم. مصر حاجة عربية مثلما أنّ العرب حاجة مصرية. كانت عودة مصر الى العرب وعودة العرب اليها من البوابة الاردنية برعاية الملك الحسين، رحمه الله. هل من يتذكّر ذلك؟
لا حاجة الى تعقيد الامور. عندما يساعد العرب مصر، انّما يساعدون انفسهم. قامت دول الخليج بما عليها القيام به. يتأكّد يوميا أن للاردن دوره ايضا. فالمملكة الهاشمية واجهت الاخوان بطريقة مكشوفة وأفشلت مخططاتهم وتحدتهم علنا عندما أصرّ عبدالله الثاني على اجراء انتخابات عامة مطلع السنة 2013 بموجب قانون يحظى بدعم الاردنيين بدل أن يكون قانون الانتخابات على قياس الاخوان الذين قاطعوا الانتخابات.
قاطع الاخوان الانتخابات بعدما اكتشفوا أن ليس في استطاعتهم الفوز فيها عن طريق الترهيب. كشف العاهل الاردني لعبتهم باكرا وأصرّ على احباطها في المهد. تصدّى بعد ذلك للدعم المصري للاخوان. كان ذلك عن طريق السعي الى ابتزاز الاردن بقطع الغاز الذي كان يصل اليه من سيناء.
جاء الآن دور الاردن ليقول إنه مع مصر وان المملكة «حريصة دوما على دعم الخيارات الوطنية للشعب المصري ومساندة مصر الشقيقة في تجاوز الظروف التي تشهدها، وصولا الى ترسيخ امنها واستقرارها».
لم يتردد الأردن في التصدي للاخوان الذين سبق له ورعاهم عندما كانوا مضطهدين، من المحيط الى الخليج، في الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي. المملكة الهاشمية تعرف جيدا من هم الاخوان وتعرف خصوصا أنهم من النوع الذي لا أمان له وأن همّهم محصور في التغلغل في المجتمع والتحريض على من أمن لهم الملجأ والمأوى في احلك الظروف. لا شكّ أن زيارة عبدالله الثاني للقاهرة تندرج في اطار الدفاع عن النفس أوّلا. لكنّ الزيارة تكشف ايضا أن العرب عموما تجاوزوا عقدة الاخوان والشعارات الفارغة التي يطلقونها، وهي شعارات دينية تصبّ في عملية تجهيل المجتمع بغية السيطرة عليه واستغلاله.
ما رفضه الاردن بفضل شجاعة عبدالله الثاني وبعد نظره، ترفضه دول عربية اخرى ايضا. فالامارات تجاوزت عقدة الاخوان منذ فترة طويلة. فالحاكم فيها متصالح مع شعبه ولا يخشى الشعارات الفارغة والمزايدات الاخوانية وغير الاخوانية.
ما نشهده، بعد الذي حصل في مصر، تطور جديد في غاية الاهمّية على الصعيد الاقليمي. انّه تطور يتجاوز مصر. انه مؤشر الى نهاية عهد الاخوان الذين كشفهم «الربيع العربي» مثلما كشف قبل ذلك الانظمة العربية التي كانت تتذرع بخطرهم لتبرير التمسك بالسلطة، مثل النظام السوري الحالي، على سبيل المثال وليس الحصر!
خيرالله خيرالله - الراي الكويتية