لا أدعي الوطنية الفلسطينية أو الإنحياز القومي لفلسطين أكثر من ناهض حتر أو علي الحباشنة أو محمد المحارمة ، فمنذ إتفاق اوسلو الذي قاده الرئيس الراحل ياسر عرفات ، نقل الموضوع الفلسطيني والقيادة الفلسطينية والخيارات الفلسطينية من المنفى إلى الوطن ، فلم يعد الصراع كما كان سابقاً فلسطيني أردني أو فلسطيني سوري أو فلسطيني لبناني سواء كان سبب الخلاف أو الصراع على التمثيل أوالقرار المستقل أو تضارب المصالح الأمنية بين العمل المسلح الفلسطيني وبين المصالح الأمنية للأطراف العربية المحيطة لفلسطين ولم تعد تدفع ثمنه من دمها وعرقها وأعصابها ضريبة لجغرافيتها المحاذية للأراضي المحتلة كما كان يحصل ذلك قبل أوسلو، ومر شعب الضفة والقدس والقطاع بلحظات ساخنة ، وأوقاتاً عصيبة ، في الإنتفاضة المدنية الشعبية الأول عام 1987 ، وخلال الإنتفاضة المسلحة الثانية عام 2000 ، وخلال معركة الجدار الواقي في الضفة الفلسطينية ، وحصار الرئيس عرفات عام 2002 ، وخلال معركة الرصاص المصهور ، وإجتياح غزة نهاية عام 2008 ، ومع ذلك بقيت الجبهات اللبنانية والسورية باردة ، والأردنية المصرية هادئة ، وبدون ردات فعل عربية تصل إلى مستوى الإنفعال أو التفاعل مع الحدث الفلسطيني في مواجهة العدو القومي المشترك .
قبل أوسلو كان الصراع عربياً عربياً ، بين الشقيق وشقيقه ، بين الأخ وأخيه ، بصرف النظر من يتحمل مسؤولية ذلك ، أخطاءالمقاومة الفلسطينية في الأردن وسوريا ولبنان ، أم أخطاء الأطراف العربية الثلاثة نحو خيارات الفلسطنيين ومقاومتهم المسلحة التي إصطدمت مع الأنظمة وجيوشها وأجهزتها .
بعد اوسلو أصبح الصراع واضحاً جلياً بين الشعب الفلسطيني من طرف ، وعدوه من طرف أخر ، ولا عدو للشعب الفلسطيني سوى إسرائيل التي تحتل أرضه وتغتصب حقوقه وتدوس على كرامته العربية الإسلامية المسيحية ومقدساته .
أوسلو كان عنواناً لفشل المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي لأن الحل في نظر إسرائيل هو ذاك الحل الذي يتم خارج فلسطين ولكن تضحيات الفلسطينيين داخل وطنهم وخاصة بعد الإنتفاضة الشعبية والمدنية الأولى عام 1987 ، أرغمت الإسرائيليين للتسليم والإقرار بالحقائق الفلسطينية ، وأدت إلى الإعتراف الإسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة : 1- الشعب الفلسطيني 2- منظمة التحرير الفلسطينية 3- الحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين ، ولذلك شكل أوسلو صدمة للإسرائيليين وثقافتهم وتفوقهم العددي والتكنولوجي والإستخباري والعسكري والسياسي والإقتصادي على الفلسطينيين ، وهذا سبب إغتيالهم لرابين لإنه توصل لإتفاق أوسلو ووقعه مع ياسر عرفات في حديقة الورود في ساحة البيت الأبيض وأمام العالم في 13/9/1993 ، فأسلو يعني إلغاء الحل خارج فلسطين ، وإعادة البحث عن حل داخل حدود فلسطين وفي إطارها ، وأصبح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مضامين الحل ولكن داخل فلسطين وليس خارجها .
منذ ذلك الوقت لم يعد لدي ما أفعله أكثر مما يفعله ناهض حتر أو علي الحباشنة أو محمد المحارمة أو غيرهم من الوطنيين الأردنيين دعماً أو سنداً أو تأييداً لفلسطين ، فما أستطيع فعله يستطيعون فعله وربما أكثر مني ، كأردني من أصل فلسطيني متعاطف أو مؤيد أو داعم للشعب الفلسطيني من موقعي كمواطن أردني .
لذلك لا أدعي الوطنية أكثر منهم ولا أدعي الإنحياز لفلسطين أكثر مما يستطيعون فعله، ربما كمتخصص ومتابع ومهتم لدي معلومات أكثر من أي واحد منهم ، بحكم الإختصاص والمتابعة لا بحكم الولاء أو التبعية ، ولذلك علينا أن نحتكم للمصلحة ، وللمنطق ولصاحب القرار .
فمصلحتي الأنانية والشخصية والذاتية ، إستقرارالأردن وتماسكه ووحدته ورصانة قيادته وحكمتها في إدارة الصراع ضد العدو وفي سبيل دعم وإسناد الشعب الفلسطيني ، فالأردن الضعيف الفقير غير المتماسك غير الموحد في مشاعره ومصالحه ومؤسساته لن يستطيع مساعدة فلسطين وشعبها ومنظمة التحرير وسلطتها الوطنية ، بينما الأردن الموحد المتماسك بشعبه ومؤسساته ونظامه هو القادر على توفير الأمن والإستقرار لشعبه ولنا كأردنيين أولاً ، وهو القادر على مواصلة الدعم والإسناد السياسي والعملي للشعب الفلسطيني ولقيادته الشرعية كما يفعل الملك عبد الله الآن .
لقد إستطاع ياسر عرفات إنهاء الصراع العربي العربي حول الموضوع الفلسطيني ، ونقل الصراع من الجبهة العربية إلى الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية وعلى الأرض الفلسطينية وبأدوات فلسطينية في مواجهة التفوق الإستعماري الإسرائيلي ، عبر إتفاق أوسلو ، واليوم يحمل الفلسطينيون على أرضهم برنامجاً يقوم على دعامتين :
أولهما : تحقيق الصمود على الأرض من خلال التنمية والبناء وتوفير متطلبات الحياة وإحتياجاتها من عمل وشوارع وصحة وتعليم .
وثانيهما : العمل على تحقيق الإستقلال والحرية وإقامة الدولة في حدود الرابع من حزيران 1967 ، وذلك عبر برنامج معلن يقوده الرئيس محمود عباس على المستويين العربي والدولي ، ويقوده سلام فياض على المستوى المحلي برئاسته لحكومة إئتلافية مشكلة من فتح والديمقراطية وحزب الشعب وحركة فدا وجبهة النضال وشخصيات أكاديمية مهنية مشهود لها بالكفاءة ونظافة اليد ، وعبر العمل السياسي على المستوى الدولي والإنتفاضة الشعبية ذات الطابع المدني في مواجهة الإحتلال على الأرض كما يحصل في نعلين وبلعين والمعصرة والقدس وغيرها من المناطق على طريق توسيعها وإنتشارها بشكل مدروس ، مسببة حرجاً للإحتلال على طريق هزيمته الأخلاقية أمام المجتمع الدولي وشق المجتمع الإسرائيلي لكسب إنحيازات إسرائيلية لعدالة المطالب والحقوق الفلسطينية المعلنة المتمثلة بالإستقلال لفلسطين ، والمساواة داخل إسرائيل ، والعودة للاجئين ، فهل هذه السياسة الفلسطينية تخدم الأردن وتحميه من الأطماع التوسعية الإسرائيلية أم تسبب لنا الأذى كأردنيين ؟!
أعتقد إننا كأردنيين حينما نحترم خيارات الفلسطينيين على أرضهم وفي وطنهم ، وندعمهم في هذا الإتجاه الذي يقوده الرئيس محمود عباس ، ورئيس حكومته سلام فياض وفصائل المقاومة فتح والشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة وغيرها من الفصائل ، يشكل حماية للأردن وأمنه ومصالحه العليا ، خاصة وأن هناك تفاهماً أمنياً شبه معلن بين هذه الفصائل والأجهزة الأمنية الأردنية ، بإحترام المصالح الأردنية، والحفاظ على الأمن وعدم العبث الداخلي ، وعدم تمزيق الشعب الأردني بين أردني وغير أردني .
وللدلالة على ذلك دعنا ننظر وندقق في تحركات وخطابات وتصريحات رأس الدولة الأردنية جلالة الملك ، سواء أمام الكونغرس الأميركي أو أمام البرلمان الأوروبي الموحد أو عبر الصحافة وأجهزة الإعلام الأجنبية ، وحتى في لقائه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف المحلية ، فهو يحمل المعاناة والتطلعات الفلسطينية بنفس القيمة التي يحمل فيها همومنا كأردنيين ، ذلك لإدراكه من موقعه كرأس للدولة ، التداخل والتأثير المتبادل الأردني الفلسطيني في الحاضر وللمستقبل .
حماية الأردن من الأطماع التوسعية الإستعمارية الإسرائيلية ، تتطلب أولاً حماية الجبهة الداخلية ووحدتها ، وليس تمزيقها وبعثرتها ، التعددية قائمة ويجب أن نتباهى بها، لأنها أولاً من مكونات الشعب الأردني الذي لا نستطيع إلغائها أو تصفيتها أو القفز عنها ، وهي إنعكاس لمكونات البشر والعبقرية الأردنية التي قادها الحسين رحمه الله ، كانت تعمل على تداول السلطة بين الأردنيين حتى في ظل غياب البرلمان و الأحزاب ، وكان يسعى لتوسيع قاعدة الحكم بإشراك متتالي للأردنيين من كافة مكوناتهم وكان ذلك إنعكاساً لما ورثه الحسين عن المشرع الأردني الذي أجاز التمثيل لمكونات قد تكون غير قادرة للوصول لمؤسسات الحكم عبر صناديق الإقتراع كالبدو والشركس والمسيحيين .
حماية الأردن تكون بوحدتنا وليس البحث عن وسائل الطخ على أنفسنا وأرجلنا وتمزيق وحدتنا وتماسكنا وجبهتنا الداخلية .
ولنا في موقف الملك عبد الله أسوة ونموذجاً في التعاطي مع الإهتمامات الأردنية بدون الإخلال بالمواقف والسياسات الأردنية القومية الداعمة لفلسطين ولغيرها ، والتعاطي مع الإهتمامات العربية والدولية وفي طليعتها دعم الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير وسلطتها الوطنية بدون إنتقاص من حق الأردنيين لجهد وعمل قائدهم .
الأردنيون بالنسبة لجلالته سواء ، لا فرق بين مسلم ومسيحي ، وبين عربي وكردي ، وبين إبن المدينة أو البادية أو الريف أو المخيم ، فالمكونات الإجتماعية الأربعة هي مصدر قوة الأردنيين ووحدتهم وتماسكهم ، فهل ندرك ؟؟ هل نفهم ؟؟ وهل نتصرف على هذا الأساس ؟؟ أرجو ذلك !!
h.faraneh@yahoo.com