تمتاز الأفلام الهندية بالإثارة الإخراجية والأحداث المستمرة والقصة اللامنتهية, وكلما اقتربت نهاية الفلم تجددت الأحداث من جديد وكأننا في البداية, وأخيراً تتسارع الأحداث ويموت الشرير ويبقى البطل حيث يكتشف أنه شقيق رئيس العصابة.
طريقة التعامل مع قضية عمال المياومة المفصولين من وزارة الزراعة تصلح أن تكون فلما هنديا بامتياز, ولمن لا يعرف القصة أو يتابع جميع مجرياتها فإليه هذه المقتطفات: مجموعة من غلابا الوطن المشحونين بحب الوظيفة الحكومية ومزاياها المذهلة رمتهم الأيام في ملاك وزارة الزراعة. ومن المعلوم أنه وفي بعض المواسم التي تدير الحكومات المتعاقبة وجهها لنواب الأمة وتحاول أن تسترضيهم, بالطبع ليس لسواد عيونهم أو حباً في القواعد الانتخابية التي أفرزتهم, بل طمعاً في تمرير قانون أو موازنة أو ثقة على حكومة, فيكون الوعد بتعيين عدد من المقربين من النائب جزءا من حزمة جوائز الترضية والتي منها بعض الإعفاءات الجمركية, تأشيرات حج قابلة للبيع, إلخ. ولأن الاختيار وقع على وزارة الزراعة لاستيعاب هؤلاء الشباب الطيبين - لأسباب لا تزال مجهولة بالنسبة إلي- , فقد استجابت الوزارة للأمر الواقع على أن يتم الاحتفاظ بهم على أساس عمال مياومة مجردين من المزايا والامتيازات التي من شأنها أن تحقق لهم حياة كريمة ومستقرة. وهكذا وصلنا إلى نصف الفلم الهندي وموقع العقدة: "عمال مياومة في وزارة الزراعة ".
ولأن الأحوال تتغير, ولا يدوم إلا وجه الله, فقد خلصت الأمور إلى التخلص من العمال المساكين بجرة قلم, وبالتالي حرمانهم من النعيم الذي كانوا يتمتعون فيه, هم ليسوا أفضل حالاً من النواب الذين جاؤوا بهم والذين سحبوا من المشهد بنفس الطريقة, إلا أنهم لم يرمَ بهم في الشارع كالعمال, بل ذهبوا مكرمين إلى بيوتهم مع راتب تقاعدي وامتيازات وبعض الأصول الثابتة التي كسبوها من سيارات وخطوط وامتيازات نظراً لعطائهم المعلوم، في المقابل فإن العمال الأشاوس لم يجدوا إلا الشوارع, حيث بدأت فصول وأحداث جديدة من الفلم الهندي, اعتصامات عائلية, يافطات, تهديدات، ولأن الموضوع زاد عن حده فبدأت ملامح صبح كاذب بالظهور, و وعود قاطعة وأيامين بالطلاق أن العمال سيعودون إلى عملهم, لكن ليس شرطاً إلى وزارة الزراعة, "مش فارقة, المهم نلاقي شغل"، وسرعان ما سُحبت الوعود وبـُلِعت الأيامين وعاد الميامين إلى الشارع.
"محمد سنيد", بطل يظهر ويمثل المائتين والستة والخمسين مفصولاً, هو ليس هندياً, بل ابناً أصيلاً حراً من أبناء الوطن, لديه ملامح قيادية, تميز بها, لاحظت الوزارة هذه الميزات واكتشفت طاقاته فقامت بالتعامل معه حسب الأصول, تم فصله " لأسباب ليس لها علاقة في مواقفه المدافعة عن حقوق زملائه عمال المياومة بل لأسباب إدارية" , ألم أقل لكم إنه فلم هندي، أيام قليلة, يتم اعتقال البطل "سنيد" في أحد الاعتصامات ويحال إلى محكمة أمن دولة.
حسب توقعاتي, ولخبرتي في الأفلام الهندية, فرغم كل الأحداث السابقة واللاحقة, لن ينتهي الفلم الهندي إلا ومحمد سنيد (البطل) هو من سيكسب الجولة ويعلو شأنه ويحقق ما تمنى هو و زملاؤه وكذلك المتابعون ( مشاهدو الفلم ).
وإلى لقاء متجدد مع أفلام الموسم الهندية الأخرى حيث ينتصر الخير أخيراً: نقابة المعلمين, عمال الموانئ, موظفي الأنروا, العاملين في شركة توليد الكهرباء المركزية,,,,
م. جمال أحمد راتب