نعم أيّها الشيخ الفاضل؛ أراك عصي الفعل شيمتك الصمت...! وصمت مثلك يعني سؤالاً وجب منك عليه الجواب، فإن كان لحكمة فقلها فتريح وتستريح، وإن كان لنزغٍ في نفسك؛ فاستعذ بالله من همزات الشّياطين... .
مثلك يعلم أنّ الحق حقٌ والباطل باطلٌ ولا ثالث لهما؛ فلما تتمترس خلف الشّبهات لتترك الغيبة تصيبك فلا تجبّها عن نفسك؟ ولما تترك لنا نموذج الشّك في كلّ شيْ حتى العلماء؟ فالأمة إن شكّت في علمائها فبمن ستثق؟ بالله قل لنا صراحة يا حسان: أين أنت الآن في زمن عزّ فيه كلّ شيء سوى الباطل وأعوانه، إنّنا نريدك الآن أسداً مزمجراً خشناً في ميادين الحق وقد ظهرت على وجنتيك سموم الشّمس، وعلى يديك غبار (رابعة) الطّهور، وإلّا فإننا لا نريدك ذلك الأسد النّاعم المنعّم القابع خلف شاشة لا يتجاوز عرضها بضع بوصات وبالكاد تستوعبه ولا يظهر على وجهه ويديه وعباءته سوى نعيم الدّنيا الذي لا ينبئ عن مجاهدة وابتلاء صاحبه وأنت العالم بنحالة جسم أبي بكر وشحوب وجهه وأسبابهما، فليس من قلة أكل أو شرب...؛ وإنما لأنّه صقر مسلم، والصّقور في الإسلام لا تعزّ أجسامها ولا تربي لحماً في سبيل الله وهو مرادها الأعظم.
افرز أيّها الشيخ، فإمّا الميادين وإمّا النياشين...؛ فالميادين وإن اجتهدت بخطأ أو صواب فهي أقرب لتمحيص الله وأجره، وإمّا النياشين وإن اجتمعت على صواب فهي لدنيا وأقرب لمكر الله، ولا أحدٌ سيسبقك بمعرفة أنّه خير الماكرين...! افرز أيّها الشيخ، ولتقل لك جموعك ومحبوك أهلاً بالمؤثّر المستأثر، وأحذر أن تصارحك العرب فتقول: (من عافنا عفناه لو كان غالي)، ومثلك خدشه لا يعني سوى كسره... .
يا من تجمع الملايين بكلمة في السّلم كقدوة وأمين لهم؛ عليك كذلك أن تجمعهم بفعل إن حل بالأمة نازلة، فالنوازل تخشى القول والفعل معاً، وأمّا القول وحده؛ فهو منك لها خضوع واستسلام ولا يفصحان إلّا عن سقم صاحبهما، فإن كان علماء الأمة وشيوخها سقماً إلّا عن قول...؛ فجاهلوها لا بدّ وأنّهم ميتون قولاً وفعلا... .
لو لم تكن محمد حسان ونعدك بألف رجل مما نعد؛ ونعلم قدر حضورك وقوة تأثيرك عندما يصيب الأمة بلاء عظيم - وليس أشد وأعظم من ذلك - لكان إعراضنا عن فقدك أسلم لنا وأوجب، ولما تجرّأنا عليك بتنويه أو تحذير أو زجر ونحن نعلم قول الله تعالى : (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)...؛ ولكن يا أيها الشيخ! لا ننسى كذلك قول رسوله: (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، ولا نظنك إلّا من الأوائل إذ لا زلنا نقول: (لكل جوادٍ كبوة) وكبوة الفارس مثلك لا تزيد صاحبها إلّا إقداماً وإصرارا...!
يا ابن حسان! إنك عند الشرفاء ملك وأمير ورئيس، وما جعلها فيك سوى الله الذي أعزك وأظهرك بدينه إذ يسر أمرك وشرح صدرك وأحلل عقدة من لسانك، فاجعلها لله ولا تنتظر ولتقلها اليوم قبل باكر مع من يقولونها في ميادين الحق والشرف حينما يصدحون: هي لله... هي لله؛ فما أجملها منك وأرهفها وأنت العالم العابد الذي من خصاله المزاوجة بين القول والعمل... .