لا يتعلق الأمر بالإجراءات الغليظة وغير الإنسانية التي تعرض لها محمد السنيد المتحدث باسم عمال المياوة الذين تم طردهم دون وجه حق شرعي او قانوني بقرار عرفي من وزير ألزراعه وما لاقاه السنيد من ضرب واهانة وتنكيل وحبس بسبب تلك الحادثة امام وزير الزراعه ، فالموضوع يتعلق برسالة ترغب الحكومة إرسالها لكل من يجرؤ على قول الحقائق وكشف مكامن ورموز الفساد بأي طريقة او سيلة كانت وخاصة في معظم وزاراتنا ومجالس بلدياتنا حيث يستوطن الفساد بقوة وعلى رأسها تجاوزات الوزراء أنفسهم التي تخطت كل الحدود في عهد هذه الحكومة التي تسعى فقط التي تسعى على ما يبدو في إبقاء رغيف الخبز لا غيره \" ولا نعلم الى متى \" كوسيلة وحيدة لعيش المواطن والابقاء على حياته بعد ان أبعدت عنه سياسات الغلاء وفرض الضرائب ورفع أسعار المشتقات البترولية وسائل العيش الاخرى ، وكذلك فأن القادم المتعلق بفرض ضريبة دعم الطاقة ( رغم ان المواطن يدعمها ) على فاتورة الكهرباء وإزالة الدعم العجيب والغريب على فاتورة المياه ( دعم الحكومة ) وغيرها مما ترغب الحكومة العمل به قبل رحيلها ولا ندري كيف سيكون الرحيل ! ستضاعف من الضغط حتى على رغيف الخبز الذي لن يجد المواطن وسيلة للحصول عليه . حين نرغب بمعرفة تلك الرسالة والاطلاع عليها فأننا نستطيع ان تستشفها من خلال الممارسات وردات الفعل التي تتبع الحدث ، فما فعله محمد السنيد ليس حمل للسلاح في وجه من قطع رزقه و أرزاق زملائه ورماهم الى الشارع لا حول لهم ولا قوة ، \" ولم يعرض الرجل الوطن للبيع ولم يتأمر عليه مع دولة عدوة !! ، لكنها صرخة مظلوم أجهز عليه الوزير المبجل بجرة قلم ، و لا اعتقد ان الوزير فكر ولو للحظة بمستقبل وحياة عائلاتهم في ظروف اقتصادية صعبة يعيشونها .
لقد تجاوزت إجراءات اعتقال السنيد كل المعايير القانونية و الإجرائية المتبعة في بلادنا قبل ان تبدل الحكومة تلك المعايير لأنها تريد إيصال رسالة ! فما ارتكبه السنيد لا يعادل تلك الإجراءات التي اتخذت بحق الرجل والتي تجاوزت كل المعايير الخاصة بحقوق الإنسان ومعايير إجراءات الاعتقال دون الاعتداء والضرب والاهانه التي تلقاها ، واعتقد أن أجهزة الأمن وخاصة قوات الدرك أصبحت في مواجهة ليس مع أحداث الشغب فقط وملاحقة الجناة وتطويق الأزمات ، بل أصبحت في مواجهة مع أصحاب الحق والمظلومين الذين يصرخون من الألم والظلم والجوع ، وهذا ليس دورهم الذي أسست إدارة الدرك للقيام به ، بل لقد تم زج هذه القوات في قضايا جانبية لا تمت إلى عملها بالمطلق ، فمهمتم تنحصر في ضبط الأحداث والسيطرة عليها وإحالة من يستحق إلى القضاء ، فالرجل تعرض للضرب والاعتداء والحبس دون ان يتقدم حتى الوزير نفسه بشكوى بحق الرجل !
يبدو ان الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن جراء سياسات الحكومات وليس جراء الأزمة العالمية قد اوحت للبعض ان استخدام العنف وتطبيق إجراءات حالة الطوارئ دون الإعلان عنها رسميا ستعمل على الحد من حالة الرفض والاستياء التي تجتاح شعبنا جراء السياسات المختلفة للحكومة والتي وصلت الى حدود لم يعد يطيق فيها المواطن الصمت حتى لو تعرض الى ما تعرض له السنيد وزملائه ، فالتحرك الكبير والواسع الذي شهده قطاع التعليم للمطالبة بحقوقهم النقابية والمعيشية ، وجملة الإضرابات التي تشهدها الكثير من المؤسسات و حالات الاستياء الواضحة على معظم القطاعات الإنتاجية الخاصة وتراجع الأداء العام للدولة في ضل فساد ومحسوبية كبيرين لم يتراجع بل تقدم الى مرتبة أعلى مما كان قبل سنوات سيدفعان الامور الى الأسواء إذا ما استمر الحال على ما هو عليه ، ناهيك عن تخوفات الناس حيال السياسات الصهيونية للتوسع وحل القضية الفلسطينية على حساب الوطن والتي تشهد تجاذبات كبيرة على الساحة دون ادنى موقف رسمي يقلل من خطر القادم آو يرفضه .
لا يمكن للفساد والتقدم ان يجتمعا ، ولا يمكن إرهاب الناس وتخويفهم عبر تلك الرسائل ، ولا يمكن ان يكون الأردن قويا في وجه كل التحديات في ضل معاناة الشعب من جهة واستمرار هيمنة مؤسسة الفساد على أجهزتنا ودوائرنا الرسمية من جهة أخرى ، إلا إذا كان الهدف من هذا كله إضعاف الأردن للحد الذي يقبل به بشروط التوسع والهيمنة والمخططات الإسرائيلية والوطن البديل ، وإلا كيف يمكن مواجهة التحديات في ضل الفساد والجوع !! وهل يقوى الجريح على المنازلة !!!