تتخذ السياسة الاميركية طابعاً خارجياً تميزه جميع الانظمة العربية والعالمية يجعل من تعريف العدو الحقيقي لاميركا هو كل من لا يوافقها في استراتيجياتها وبسط نفوذها المتعدد الاشكال على العالم سواء , بينما يدرك العرب بشعوبهم وقادتهم بان اميركا لا تعترف بمفهوم الصديق ضمن ابجدياتها السياسية وتسعى الى التضحية بأقرب الرؤساء ان استلزم الامر دون حفظ الود والجميل وتضحياتهم المتتالية عبر السنين الطوال وكان آخرهم حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي صالح كمثال على ذلك .
دأبت الادارة الامريكية منذ بداية الربيع العربي لفرض احكام سيطرتها على البلدان العربية وبالتحديد على السلطات السياسية التي آلت اليها مقاليد الامور بعد خلع الحكام فيها بسرعة تفوق الخيال واعتقدت بغباء منقطع النظير بان الوضع المصري والتونسي والليبي واليمني يصلح للقياس على الشأن السوري دون الأخذ بعين الاعتبار للفوارق المتعددة بين طبيعة الشعوب ونوعية الانظمة التي تحكمها ودون التفريق بين سهولة خلع حاكم عربي يقود بلد متهالك بسببه في جميع النواحي وفق نظام حكم هزيل اشبه ما يكون بادارة المزرعة وبين قيادات سياسية حزبية تقود بلدانها وفق تحالفات دولية واستراتيجيات وطنية خلقت الاكتفاء والتصنيع والتصدير واللامديونية بالاضافة الى قدرتها العالية لحفظ وحدة الارض والتعايش السلمي بين مواطنيها وايجابيات كثيرة لا مجال لحصرها تميزت فيها عن باقي دول التخلف العربي المحيطة والمتخمة نفطاً وفساداً , ضمن هذه المعادلة أدركت الولايات المتحدة وغيرها من بلدان التحالف على سوريا بان احداث أزمة في سورية لا بد وان يكون خارجياً ( وهو الواقع ) وتصوير الأمر للاعلام عبر العالم بان سوريا تعيش هي الأخرى أزمة داخلية تستوجب تنحية القيادة السياسية فيها والحاقها بباقي دول الربيع الامريكي وهذا يعطي تفسيراً بسيطاً لتدفق المقاتلين والمتمردين عبر الحدود الدولية من خارج سوريا ومن غير مواطنيها للقتال الى جانب مجموعة منشقة من افراد الجيش النظامي ( تحت تأثير الاغراء السياسي والمالي والمعنوي ) اطلقت عليهم وصف الجيش الحر ووظيفتهم المحددة تكمن في القتال ( بالوكالة ) عن اميركا التي لا ترغب في اعادة السيناريو العراقي بتدخلها العسكري السافر , وبذلك اجتمع النقيضين في كتلة واحدة ان صح التعبير بأسم قوات المعارضة التي ما تزال تعجز عن توحيد جهودها وعملياتها وتجاذباتها الفكرية مع بعضها لغاية الآن وليس أدل على ذلك من الطبيعة العلمانية والعسكرية لمقاتلي الجيش الحر في وجه الراديكالية والتطرف التي تميز مقاتلي جبهة النصرة وتعدد الولاءات لكلا الطرفين مع الاختلاف الجذري في نظرة الجهتان وتطلعاتهم المسقبلية في الشأن السوري الداخلي فحين يحلم مقاتلي الجيش الحر في اقامة دولة مدنية طابعها علماني على انقاض الدمار والتقسيم ما زال مقاتلي جبهة النصرة يسترجعوا حلم أقامة دولة الخلافة على ارض سوريا على انقاض المدن والحضارة وعلى انقاض التعايش السلمي بين المذاهب والاعراق هناك وشتان بين الاضداد .
أدركت اميركا بعد التحالف العلني بين تنظيم القاعدة في العراق والجولان بان اسقاط النظام السوري الحاكم بالتدخل الخارجي يستلزم دعم وتدريب وتسليح قوات المعارضة ( القاعدة والجيش الحر ) للعمل بمضمون الخطة المرسومة وبذات الوقت تخشى من تسرب الاسلحة المتطورة والموجهة لمقاتلي جبهة النصرة على وجه التحديد لكي لا ينقلب السحر على الساحر ان استقرت الامور هناك وهذا ما يفسر بطء او ربما تنصل الاطراف الدولية من عقد مؤتمر ( جنيف 2 ) بعد التصريحات التي جاءت على لسان ( كارلا ديل بونتي ) عضو لجنة الامم المتحدة الخاصة بانتهاكات حقوق الانسان في سوريا والتي أقرت فيها باستخدام السلاح الكيماوي وغاز السارين من قبل مقاتلي جبهة النصرة في حمص وريف دمشق وعززتها الأدلة المخبرية الروسية قبل ذلك فازدادت القناعة الاميركية والدولية بعدم اللجوء لتسليح جانب كبير من قوات المعارضة بعد الاحراج الكبير الذي تعرضت له جهود الدول الراغبة في اسقاط النظام السوري امام الرأي العام العالمي كونها تحارب القاعدة في كل بلاد العالم وتدعمها علناً في سوريا وعززتها التقارير المنشورة التي تفيد بان جبهة النصرة تقوم بعمليات تطهير مدني للمناطق التي تستولي عليها كان آخرها باللاذقية حيث تعرض السكان هناك لاجراءات قاسية من قتل وتعذيب وخطف على ايدي المجاهدين ( الجدد ) بالمقابل يحاول الائئتلاف الوطني السوري المعارض ان ينأى بنفسه ويبرأ مما فعل المقاتلين هناك باسلوب الكذب لغايات التسويف الاعلامي بقوله ان المواطنين السوريين متساوين بغض النظر عن انتماؤهم الديني والعرقي ولكنه اعتبر في ذات الوقت بان الهجوم على اللاذقية أمر ايجابي فأي تناقض هذا واي استخفاف بالعقول وصل الى هذا الحد ؟!! .
التخبط الامريكي المتسرع زاوج بين النقيضين على الاراضي السورية فالغاية تبرر الوسيلة دوماً بالنسبة لهم وسرعان ما دارت معارك معلنة وغير معلنة بين قوات المعارضة نفسها بشقيها العلماني والراديكالي اسفرت عن مقتل قيادات في الجيش الحر واعمال ترويع وخطف بين الطرفين فتوافرت متطلبات لعبة الثار وما تزال بالاضافة الى الخوف المتنامي من اميركا واسرائيل والدول العرية المحيطة من تدفق المقاتلين الراديكاليين راجعين لدولهم التي تسربوا منها عبر الحدود بعد ان يحسم الجيش النظامي السوري المعركة لصالح الدولة ووحدة الارض او ربما الخوف المتنامي من الدول المحيطة من لجوء اولئك المقاتلين بالوكالة من استهداف دولهم في اي وقت , لذلك قامت بادراج جبهة النصرة ضمن المنظمات الارهابية تمهيداً لتصفيتها بعد ذلك وملاحقة باقي منتسبيها داخل الاراضي السورية وبالتعاون مع اطراف أخرى بعد ان تعلمت اميركا من خطأها الفادح حين اتاحت لجبهة النصرة بتنمية قوتها المادية والعددية بشكل خرج عن السيطرة في سوريا بالتحديد .
تسعى اميركا في جميع الاحوال لتمكين مقاتلي الجيش الحر والقوى المعتدلة لتصدر الساحة السياسية والعسكرية في حال سقوط النظام وهذا أمر لن يتم بالنسبة لاميركا وفقاً لصعود نجم القاعدة بسوريا وبالاضافة لموازين القوى بالجيش النظامي السوري وبالتحالفات الدولية والاقليمية للنظام السوري وعقيدة الدولة الراسخة هناك على اختلاف مؤسساتها المدنية والعسكرية فوق كل اعتبار وفوق كل ميليشيا موجهة تستهدف النيل من الدولة .