بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
لقد مَنّ الله سبحانه وتعالى علينا بزيارة الديار الحجازية المقدسة ، وأنعم علينا بزيارة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأرضاهما ، وزيارة البقيع ، والسلام على الصحابة وأموات المسلمين ، وأمضينا ليلتان في رحاب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في بهجة وسرور ، وكانت مشاهدة الناس من كل الأجناس والأعراق تبعث البهجة ، بمن ينتمون لدين الإسلام ، ويستظلون تحت راية راية الحق المبين ، ويأتون للزيارة الكريمة من كل أصقاع الأرض ...!!!
ولمدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نكهة خاصة ، وإحساس بالعظمة لصاحب المدينة ولقبره الشريف ولمسجده الطاهر ، وهناك تأملات كثيرة لا نستطيع أن نقول عنها إلا أنها معجزات تدل على عظمة هذا الدين ....!!
ولكن التأمل العميق يكون في الطريق من مدينة سيدنا رسول الله المنورة ، إلى مدينة البيت الحرام مكة المكرمة ، حيث الكعبة المشرفة ، بيت الله الحرام ، وطريقها التي تمتد لنحو 500 كم ، الصعبة المسالك ، ذات الجبال والتلال السوداء والصخور البركانية ، وكيف كانت جحافل الجيش تنطلق منها واليها لفتح أرجاء الدنيا على الخيل والإبل ، والمشي على الأقدام ، وقد يمتلك الجندي حبات تمر وبعض ماء حرارته من حرارة الجو اللاهبة ، ونحن في حافلة مكيفة تنهب الأرض بنا ، على شوارع معبدة ، وكنا نتعب ونشعر بالعرق يلتصق بنا ، بلزوجة سببها الرطوبة والحرارة ، فكيف كانت كل تلك الفتوحات تحدث ؟؟
أنها معجزة ربانية خص الله سبحانه وتعالى بها الأمة ، حيث أن الأرض كانت تطوى تحتهم ، أو أن الملائكة كانوا يحملون الجيش ، فيسير بسهولة ، وكانت العقيدة الراسخة هي سبب من أسباب ارتفاع راية الدين ، فمكة المكرمة التي تتجه إليها كل قلوب المسلمين قبل وجوههم في كل أصقاع الأرض ، ورؤية المسجد الحرام والوقوف أمام الكعبة المشرفة ، أمنية لكل مسلم ، عندما تتحقق ، يشعر الإنسان بالهدوء والسكينة ، وتختفي الأوجاع والآلام للمريض مثلي ، وعندما نطوف ونسعى لأداء المناسك نشعر بالرهبة والخشوع لقدسية المكان ، فنحن ندوس أرض أكرمها الله ، وشرفها بميلاد أعظم خلق الله ، ومنها انطلق نور الإسلام لينشر الهداية على أرجاء الأرض ، وفيها ومنها ولد وتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ، الصديق والفاروق وعثمان وعلي ، والعشرة البررة ، وأمهات المؤمنين، وأجلاء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ....!!!
من مكة المكرمة ، ذات الطبيعة القاسية ، والجبال السوداء ، غير ذات الزرع ، يقبع بيت الله الحرام بكل عظمة وأنفة ، يطوف به عباد الله كما تطوف الملائكة بعرش الرحمن ، كتب الله لنا الزيارة الشريفة لنكون لثلاثة أيام في رحاب الله ، ورغم الحر الشديد ، وشمس أيار اللاهبة ، إلا أن المشتاقين للرحمة والمغفرة وعفو الله سبحانه وتعالى يناجونه بحرارة ، وكل منهم يحمل بين طوايا النفس حاجة وقضية يبثها لربه ومولاه العظيم بحق بيته العتيق راجيا قضاءها ..!!!
مكة المكرمة التي تجمع كل الألوان والأجناس والألسنة ، فيها خليط عجيب حبيب من الناس يجمعنا وإياهم التوحيد ومظلة الإسلام العظيم ، وهو الذي جاء بنا جميعا إلى هذه الديار الطاهرة لنستذكر الرسالة الخالدة وحاملها الشريف ، ورحلة الإسلام من تلك البقعة إلى كل أرجاء الأرض لتشكل هذه التوليفة من أخلاط الناس نقول جميعا كلمة الحق السواء ونشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ونتجه في صلاتنا إلى قبلة واحدة ، ونصوم في شهر واحد ، لا تفرقنا الأهواء ، ولا تشتتنا الغايات ، ما دام النص القرآني وسُنة سيدنا المصطفى غايتنا ومنهجنا ، وكل من حاد عن الكتاب والسنة حاد عن الحق ، وسار على الضلال ، نرجو من الله عز وجل أن يعيده إلى الحق المبين ، ويرده عن غيه وضلاله ..!!
رحلة العمرة هي رحلة عبادة خالصة لوجه الله تعالى ، نبذل فيها المال والجهد والعرق ، لننال الرضا والمغفرة ، نذهب ونحن موقنون بالإجابة ، فنحن نسأل الله رب الكائنات ونتجه إليه دون واسطة من أحد لأن أقرب الناس إليه أتقاهم ، وأخلصهم لعقيدة التوحيد .......!!!!!
من مكة المكرمة انطلقت رسالة الحق وأضاءت بنورها أرجاء الدنيا ، وصار البشر إخوانا ، تجمعنا الكعبة المشرفة ، وجهتنا وقبلتنا للصلاة ولصادق الدعاء ، ومن اتجه إلى غيرها بوجهه أو بقلبه أضاع نفسه سدى ، وضل عن قافلة الناجين ، الذين دخلوا رضوان الله ...!!!!
ما أعظمك يا ربي الكريم ، وما أعظم بيتك الطاهر ، وكم نحن مدينون لك بالحمد والعرفان أن شرفتنا بهذه الزيارة لنتخفف من الذنوب والخطايا ، ونشحن قلوبنا بمزيد من الطاقة النورانية ، مستعينين بالله العلي العظيم أن يوفقنا لطاعته ومرضاته ..!!
وهناك وقفات لا بد منها ، وحديث ذي شجون ، وأفكار يجب علينا التوقف أمامها ، في لقاء قادم إن شاء الله تعالى .