بتوقيع الاتفاقية الثلاثية الإيرانية والتركية والبرزيليه حول تبادل اليورانيوم الإيراني متدني التخصيب مع الوقود النووي عالي التخصيب في الأراضي التركية ، تكون إيران كسب جولة جديدة من جولات المواجهة مع العالم حول برنامجها النووي رغم التحفظ الأمريكي والغربي على تلك الاتفاقية و التي قوبلت بالترحيب من قبل الإدارة الأمريكية والروسية واعتبرتها المجموعة الأوروبية خطوة جيده ، لكنها أي إيران استطاعت سلخ مزيد من الدول إلى جانبها ( البرازيل وتركيا ) وحتى روسيا والصين سابقا في تلك المواجهات الدبلوماسية التي كادت ان تشكل بؤرة توتر او إعلان حرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على إيران لمنعها من تنفيذ البرنامج الذي تعتبره إيران حيوي جدا لبلادها ، و تنص الاتفاقية على ان ترسل إيران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم متدني التخصيب ( 3.5% ) بعهدة الجارة تركيا من اجل الحصول على وقود نووي لتشغيل مفاعلها النووي للإغراض الطبية وهو شرط كانت مجموعة 5 + ا قد اشترطته على إيران العام الماضي ولم تقبل به إيران لأنه لم يرتبط بوقف العقوبات المفروضة ، ويعتبر ذلك انجازا إيرانيا على صعيد المواجهة وتمييع مواقف الدول حيال فرض المزيد من العقوبات على إيران او مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لفرض حلها العسكري الذي لوحت به منذ أعوام ، وكذلك استطاعت إيران وعبر تلك الاتفاقية إعلان واضح للاعتراف بحق إيران في الحصول على الوقود النووي ا وتخصيبه مستقبلا على أراضيها .
الصبر والتحدي ، هما سمة السياسة الإيرانية طوال الأعوام التي تلت تلك الأزمة ، الصبر على العقوبات التي امتدت إلى أكثر من ثلاثين عاما وعدم الاستسلام لها ، بل الدفع باتجاه تقوية الجبهة الداخلية ببناء مؤسسات الدولة وترسيخ مفاهيم الديمقراطية والحوار والإمساك بقوة في كل المفاصل الأساسية في الدولة منعا للتجاذبات والتدخلات الخارجية والتسلل الغربي وحتى الإقليمي للتلاعب في الجبهة الداخلية ، فالعقوبات المستمرة والمتجددة لم تمنعها من التقدم والبناء بل وفرضت نفسها كقوة ليست إقليمية فحسب بل ودوليه ـ، في وقت لم تتقدم او تسجل دولا إقليمية كبرى تمتلك مقدرات عالية وإمكانات عظيمة أي انجاز يذكر على صعيد اقتصادي او عسكري او حتى إصلاحي ! حيث استطاعت إيران بناء ترسانة عسكرية عملاقه يحسب لها الحساب في المنطقة بتصنيع داخلي لم تحتاج فيه الى العالم ، بل ان بعض أسلحتها متطورة إلى الحد الذي تنافس فيها أسلحة إسرائيل والولايات المتحدة الامريكيه وخاصة في مجال الصواريخ العابرة والقوة البحرية التي تجوب في الخليج والبحر الأحمر وتكاد تصل الى شواطئ الأطلسي والبحر المتوسط إذا أتيح لها المجال ان خرجت من عزلتها ، أضف الى ذلك هيمنتها في الخليج والبحر الأحمر وأفغانستان والعراق ودول إقليمية وعربيه معروفه ودول إسلامية تحررت من النفوذ السوفيتي سابقا ، فيما عجزنا نحن بكل إمكاناتنا وقدراتنا عن ردع الصهاينة في وقف الاستيطان !!!! بل ونلجأ للأعداء في الاستقواء على الأعداء وهم أصلا إخوة وأشقاء !!
إن كنا نختلف مع النظام الإيراني في مواضيع وسياسات شتى ، فلا مانع أن نتعلم دروس المثابرة والتحدي الذي واجهت به العالم ، فلم يضعف نظامها ولم ينحسر نفوذها رغم التضييق والحصار الطويل ، بل ان نفوذها يهيمن على دول عربية وإسلامية جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تفاوضها وتتقاسم معها المصالح عبر برامج تعاون في العراق وأفغانستان ودولا سلامية كثيرة ، و وكذلك إسرائيل التي تخشى من البرنامج النووي الإيراني وتعتبره تهديد مباشر لها فأنها تعيد النظر ألان في قرار ضرب المفاعل الإيراني فهي تخشى التورط في حرب قد تخسر فيها الكثير ، فالسياسة مصالح ، غرقنا نحن العرب مع إيران في سياسات القيم غير المجزية وأصابنا ما يعرف ب \" إيران فوبيا\" الذي نشرته الأوساط الغربية وروج له النظام العربي وباتت هي العدو الأكبر وحتى الأوحد لشعوبنا !! فيما تسللت أمريكا من خلفنا لتعيد تنظيم العلاقة مع إيران على قاعدة المصالح المشتركة بعيدا عن المصالح العربية التي باتت مرهونة بالسياسات الأمريكية في المنطقة والحريصة كل الحرص على أمن واستقرار إسرائيل والدفاع عن سياساتها التوسعية والإجرامية في كل المحافل .
علينا إعادة النظر بسياساتنا تجاه إيران قبل فوات الأوان ، وعلينا العمل من اجل المصلحة العليا للشعوب العربية قبل الدفاع عن مصالح الغرب المتعاطف مع إسرائيل ، فالسياسة مصالح ، والمصلحة العربية تقتضي ألان أن تكون علاقاتنا مع إيران ارفع من العلاقة مع عدو لا يرضى بأقل من تدمير ثقافتنا العربية والإسلامية وبناء ثقافته الاستعمارية والتوسعية على حساب الشعوب والمنطقة ككل . ونخشى ان نبتعد عن إيران حد ان يصعب فيها اللقاء ، فيما تكون إسرائيل قد أقرت بالنفوذ الإيراني واعدت العدة للتصالح معه على حساب الشعوب العربية !!!