قبل نحو عشر سنوات أقدمت لجنة مقاومة التطبيع النقابية على إشهار ما سمي بالقائمة السوداء بأسماء الشخصيات والشركات والمؤسسات المطبعة مع العدو الصهيوني مما دفع بحكومة المهندس علي أبو الراغب إلى اعتقال رئيس اللجنة المهندس علي أبو سكر وثلة من النقابيين الناشطين في مجال مقاومة التطبيع وفتح الباب على مصراعيه لأزمة ظلت تتجدد باستمرار في العلاقة ما بين النقابات المهنية وفي مقدمتها نقابة المهندسين وبين الحكومات المتعاقبة وأجهزتها الأمنية.
وقد لعب المهندس علي أبو سكر الذي كان يشغل منصب الأمين العام لنقابة المهندسين في ذلك الوقت دورا بارزا في الدفع والتصعيد نحو نشر قوائم المطبعين على الرغم من أن نقيب المهندسين إذ ذاك المهندس عزام الهنيدي -الإخواني العريق- كان لا يزال يتشاور مع قيادته الحزبية وزملائه النقباء الآخرين بين أخذ ورد، وتفاجؤوا جميعا بالقوائم وقد نشرت وعندها أدركوا أن "الفاس وقعت في الراس"، وبدؤوا بمحاولات استيعاب ردة الفعل الحكومية العنيفة التي لم يكونوا يتوقعون شدتها.
واليوم يبدو المشهد متقاربا مع بعض الإشارات، فالجو العام يحمل سخطا شعبيا ورسميا تجاه التطاول الصهيوني على الأردن كيانا ودولة واستقلالا بالتهديد بجعله وطنا بديلا وتهجير مئات الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني إليه مما دفع بالأردن إلى رفض استقبال نتنياهو قبل أسابيع، وكذلك الاعتداءات الصهيونية على الأرض والمقدسات والمسجد الأقصى والقدس والمستوطنات والأسرى وحصار غزة وانسداد أفق التسوية السلمية وانعدام الأمل بالدولة الفلسطينية وحق العودة، كل ذلك وضع جميع الفرقاء في مواجهة هذا الاستكبار الصهيوني، وخلق حالة نفسية عامة عدائية تجاه التطبيع والمطبعين على جميع المستويات الرسمية والسياسية والاقتصادية والشعبية والاجتماعية والثقافية.
وقد أغرت هذه الأجواء المهندس بادي الرفايعة رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية عضو مجلس نقابة المهندسين –والخليفة المنتظر لنقيب المهندسين الحالي- فصرح غداة إحراق رمزي لعبوات الخضروات الصهيونية المستوردة للأردن مطلع الأسبوع الحالي بأن لجنته ستقدم على الخطوة الأجرأ بإعلان قوائم المطبعين كما فعلت قبل عشر سنوات، مع العلم بأنه كان يصرح فيما مضى عندما لم تكن الرياح مواتية للعمل المقاوم للتطبيع بأن المقاومة تعني المقاومة الأدبية والثقافية والتوعوية ولا تعني بأية حال التشهير بأية فئه من الناس وتعريض حياتهم وأموالهم للخطر.
لا شك بأن الأجواء هذه الأيام بين الحكومة وأجهزتها من جهة ونقابة المهندسين والنقابات المهنية وأحزاب المعارضة من جهة أخرى تتسم بالاعتدال والتوافق، ويظهر ذلك جليا من خلال الدعم الرسمي الواضح لقافلة شريان الحياة وغير ذلك من المواقف، ولكن هل سيتسع صدر الحكومة ويطول صبرها ليستوعب مثل هذه الخطوة الجريئة التي أعلنها الناشط النقابي الطموح المهندس بادي الرفايعة؟! وهل فعلا ينوي النقابيون استثمار التغاضي الحكومي في الصعود إلى هذه المرحلة المتقدمة من المقاومة الفعلية للتطبيع الوقح مع العدو الصهيوني الذي يهدد الأردن قبل فلسطين؟!
أسئلة ربما يجيب عليها لوحة جدارية صخرية قاتمة خشنة صماء، نصبت في صدر مقر نقابة المهندسين قبل عشر سنوات وسميت باللوحة السوداء، علقت عليها يوما قوائم المطبعين مرة واحدة، ولم يعلق عليها قوائم أخرى بعد ذلك، فهل ستعود هذه اللوحة لتنطق بعد صمت دام عقدا من الزمن؟! أم ستتلو الحكومة بصوت عال على مسامع نقابة المهندسين قوله تعالى:"إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها" وقوله تعالى:"و إن عدتم عدنا "؟!
المهندس هشام خريسات