كتبت :منال خضر العمور - لا تكاد لا تغرب شمس نهار إلا ويقع حادث سير مأساوي يذهب ضحيته العديد وهم أبرياء ....
الكثير من القصص والحوادث المروعة التي لاتعد ولا تحصى ومن ثم بالنهاية ينتهي الموضوع بفنجان من القهوة متناسين حجم المأساة الحقيقية لما حصل والرواسب التي تنبني عليه ومن ثم التراكمات الناتجة عنه .
اين الخطأ ..؟ وماهو الحل ..؟
هل الخطأ يكمن في رخصة القيادة وعدم أهلية صاحبها أم هو استهتار السائقين ..
ام قوانين السير الغير فاعله والمرنة او هي الطرقات ام جهل المواطن بكيفية السير على الشارع .. ام ماذا ..؟؟
جميعها اسباب .. وجميعها خطرة وليست سهلة .. وأسوأ ما فيها هو رخصة القيادة وكيفية اعطائها ..
ربما ما احاول سرده هنا عن قصتي ورخصة القيادة لهو اكبر دليل ان هناك اخطاء وتجاوزات , ربما تكون هي السبب الرئيسي لما يجعلنا في مقدمة الدول _ للأسف _ في كثرة الحوادث ..!!!! وأعذروني إن سردتها بكامل تفاصيلها .. وأعتذر من حضراتكم إن أطلت ..
.. انتظرت عدة أشهر قبل أن استأنف رجائي وتوسلاتي لأبي بموافقته على أخذ الرخصة واقتنائي سيارة , وعاودتُ طرح الفكرة مرةً أخرى علّني اعلم لماذا هذا التشدد والرفض لهذا الامر ( العادي جداً ) وبعد جهدٍ جهيد ليس بإقناعه بل لمعرفة السبب فقط .. دعاني وأخبرني عن حادث مأساوي رآه أمام عينيه وكانت الضحية أمٌّ وأطفالها الأربعة في مشهد فظيع ومرِّوع .. وكانت الأم هي التي تقود السيارة ومن يومها حفر فكرة في رأسه مفادها ان المرأة لا يجب أن تقود المركبات لأنها أضعف من أن تواجه أي طارئ فجائي ..
.. المهم .. بعد التوسلات الخائبة تارةً والمبشِّرة بالخير تارةً أخرى وافق أبي على فكرة التدرب على القيادة عملياً .. فانتسبت لمركز تدريب محترم وكنت آخذ الحصص يومياً وبرفقتي والدتي أطال الله بعمرها دون كلل وملل وقد تجوّلتُ في شوارع كان يختارها المدرب للتدرب على جميع احتمالات القيادة وما يمكن ان اواجهه من عقباتها حتى أيقنت وأثبتُ براعتي بالقيادة واســـتحسان وانبهار مدربي .. وبعــد ان تقدمتُ للإختبار النظري بنجاح باهر جاءت سـاعة الفحص العملي .. الإمتحــــان .. وطبعاً في هذه اللحظة يكرم المرء أو يهان ولا أخفي عليكم شعرت بحالة مغص وبرد ورجفة ولعثمة وشحوب وزادت دقات قلبي عندما سمعت المنادي ينادي منال خضر .. منااااال فسلمتُ على أمي و صديقاتي اللواتي تعرفت عليهن في ساعات الإنتظار وطلبت منهن الدُّعاء لي وتوجهت وركبت السيارة بجانب ضابط الفحص .. وفي تلك اللحظة إرتبكتُ كثيراً وبدأتُ أرتجف وبدأتْ الدموع على وشك الإنهيار من عينيَّ وبدأتُ بالمأمأه عندما سألني الضابط ( شو إسمك يا منال ..؟؟!!) إنسابت دموعي قبل ان تنساب الكلمات .. أحسستُ بالبرد الشديد .. كنت اعلم بأني لا أقوى على الإستمرار .. أصابني تشنجٌ في ساقيّ لم أستطع تثبيتهما على الدواسات وبدأت أرجلي تتراقص برداً .. خوفاً .. رعباً .. ؟ لا أدري .. شعرت بأني وللمرة الأولى أجلس خلف المقود لم ادري كيف أبدأ وبما أستهل الإمتحان .. سمعتُ صوتآ خفيآ من الضابط يقول لي : \"حزام أمان \". .. \"زبطي المري \"فنظرتُ إليه ببلاهه وقلت : \"ها \" ..؟
فسمعتُ نفس الصوت من نفس المصدر يقول : \"غماز شمال \"ومن ثم صوت يهدِّىء من روعي \" ليش خايفه إحنا مثل إخوانك \" فأغمضتُ عينيّ محاولةً مني طرد تلك الدموع البائسة التي لم أعد أحتاجها الآن ..
فأنا في أمان ..!
كنتُ انتظر من حضرة الضابط أن يملي عليّ الخطوة التالية فكانت المفاجأة الكبرى أقصد الطامة الكبرى عندما قال لي :
\"اتركي الدواسات وركزي بالستيرنغ ..\"!!
يا ربي ما هذا السرور فأزحتُ قدميَّ بصعوبةٍ فائقةٍ بعد ان ثقلت وتركزت بها كمِّياتٍ كبيرةٍ من الخوف والرهبة .. أزحتها ووضعتها جانباً وكأنها لا تعنيني بشيء ولن تفيدني فهناك أرجلٌ خفية تقوم بالواجب عني ..!!
وبكل سهولة ( طلِعِتْ الطلعة ) هذه الطلعة التي غثّت عليّ منامي وكنت أرى الكوابيس المقلقة يومياً كلما قَرُبَ موعد الإمتحان العملي وأرى نفسي أرجع للخلف وأسقط وأصطدم بكومة الحديد وكومة السيارات المحطمة هناك وتتلاشى أشلائي بين تلك الخردة .. والآن ها أنا أتجاوزها وبكل براعة وسط نظرات المعجبين والمعجبات واسمع أصداءاً لكلمة ( وااااو ) وها أنذا أسمع تمتمات أمي بالشكر والدعاء ..
أكملتُ السير .. أقصد أكملتُ المهزلة وأنا في حيرة من أمري ولا ادري ما يحصل حولي لم أرى أحداً أمامي كنت أسمع نفس الصوت من نفس المصدر يلفتُ نظري \" أوعي الزلمه\" ..
\"ديري بالك الكشك \"..
\"حُطِّي غماز \"..
وانا أتساءل \" غماز إيش غماز إيش \" ..؟؟ !!
وصلنا للبوابة في طريق الرجوع لنقطة الإنطلاق وكدْتُ أُحْدِث كارثةً هناك لتراكم عدد كبير من المراجعين عند البوابة فأيقنت في قرارة نفسي ان الامر قد انتهى الآن , وقبل ان نصل بثواني سمعت حضرة الضابط يتمتم :
(شو بيقربلك فلان ..؟؟! )
\"اها .. فلان هذا ابن عمي لزم \" ...
(مع العلم ان فلان هذا لم أراه في حياتي ولكني أسمع عنه انه من العائلة ) فاستطرد الضابط الحديث قائلاً :
\"هذا صاحبنا .. عزيز علينا .. سلميلنا عليه \"..!!
ثم تابع الضابط قائلا ..\" أدخلي بثقه وارفعي راسك \"..
فنفذتُ أوامره بسرعة .. وأوقفت السيارة وللأسف .. طفت السيارة ..!!!
فأيقنت اني قد فشلت .. وما إن بدأت علامات الفشل تظهر على وجهي حتى سمعت الضابط يقول لي :
\"مبروك .. بس ديري بالك \"...!!!!!
رجعت الى أحضان امي وأنا أسمع أصواتًا من هنا وهناك تبارك لي وتحسدني على إجتياز الإمتحان .. بنجااااح ...!!!
نعم لقد نجحت .. !!
بعد كل تلك الأخطاء الجسيمة ..!!
نجحت ..!!
أنا أعترف وبكل صراحة انني امام المدرب كنت اقود السيارة بكل براعة ولكن أمام ضابط الفحص حصلتْ اخطاءٌ كثيرة .. وكنت أعلم انني سوف ارتكب العديد من الاخطاء بسبب الإرتباك .. ولكني كنت أريد التقدم للامتحان لمعرفة ما هي الأخطاء التي ارتكبتها حتى يمكنني تفاديها المرة القادمة في الامتحان الثاني ..
ولكنهم نجّحوني ..! لا أدري .. علامة استفهام كبيره ارتسمت بداخل مخيلتي ..
كان قد تردد على مسامعي انه حصل وان أخذ بعضهم رخصة القيادة دون عناء وشقاء .. ولكني لم أصدِّق ما سمعت إلا عندما رأيتُ ما رأيت ..!
انا لست فخورة بأني حصلت على الرخصة بسبب تعاطف الضابط معي او انني بالصدفه كنت قريبه لأحد معارفه ..
ولكني على يقين تام انه قد حصلت هذه الواقعه مع غيري وقد تكررت كثيرا .. وقد تعاطف ضباط آخرون مع شبان و فتيات اخريات لأسباب عديدة
اريد للجميع ان يترك لمخيلته الخيال الواسع وان يسرح بتفكيره للبعيد وللبعيد جدا . حتى يصل الى آخر المطاف .. بدون ان يصل الى طريق مسدود ..
هل نسبة حوادث السير المرتفعه في البلاد سببها هذا ..
ام ان المواطن عندنا اصبح عديم المسؤولية ..
ام ان قانون السير والامتحان والتدريب يفتقر للتحديث والتطوير ..
ام انه يجب ايكال موضوع التدريب والفحص لاحدى الشركات المتخصصه بهذا المجال والتي سوف تضع قوانين ( صارمة ) لذلك ..
هناك خلل ما في مكان ما ..
في عام 1974 قامت منظمة الصحة العالمية بتوجيه دعوة الى كافة دول العالم بضرورة إيجاد آلية معينة للحد من حوادث السير ومن ثم توالت الاجتماعات على مستوى دول العالم ومن ثم كانت دراسات ميدانيه عن طريق خبراء .. وربما يكون سلم الرسم البياني للاحصائيات منخفض في بعض الدول .. الا اننا نحن لا زلنا في المقدمة في عدد الحوادث نسبة الى عدد السكان .
لماذا لا تكون هناك دراسات ممنهجة وعن طريق اخصائيون متمرسون للوقوف على هذا الكم الهائل من حوادث السير عندنا هنا في الاردن ..
لماذا لا نخرج من ظلمة حوادث المرور الى النور الذي يبقينا أحياء مبتعدين عن هذا الكابوس الذي طالت مآسيه كل بيت وعائلة في هذا البلد ..
لماذا لا يكون هناك حسن التخطيط والمثالية المرورية والتوعية والضبط والربط واستخدام التقنيات الحديثه في التدريب والفحص .
لماذا على الاقل ان يكون هناك قانون ما يحد من عرض فنجان القهوة امام الجاهة التي جاءت على صلحة لحادث سير ومن ثم يشرب كل الحاضرين فيها فنجان الدم البشري رحمة علي الضحية ..!!
أ تنتهي قصة حياة أحدنا عند فنجان قهوة ..
نعم .. هو فنجان القهوة
ورخصة القيادة التي لا يستحقها الكثيرون والكثيرات ..