كثيرا ما يلفت انتباهي منظر خدامة وهي جالسة في الكرسي الخلفي من السيارة ، أو تسير خلف \"المدام\" في أحد المولات أو حتى تحمل \"حموده\" وتلاعبه في احدى الحدائق العامة .
يعجبني المشهد كثيرا وتعجبني أكثر العربية المكسرة التي تنطق بها .
أنا أصلا استغل منظر الخدامات لأتذكر جدتي ، عندما حدثتني عن حياتها وكيف كانت معاناة الحياة آنذاك ، وطالما تخيلت ما تقول : إذ تستيقظ مع \"وذان الفجر\" فتصلي وتبدأ بتحضير العجين لغايات \"التشريك\" أو \"الطابون\" يتلوها حلب الأغنام وإعداد الفطور وتجهيز \"الزوادة\" للرعيان والفلاحين ، ثم توقظ النيام ليتجهزوا كلا إلى عمله ، وترتب المنامات ، لتستعد للذهاب في رحلة \"التحطيب\" مع الحطابات ، ليتولها رحلة أخرى مع \"الورادات\" على عين الماء ، تتكرر لأكثر من مرة بينما تستغرق مسافة ليست بسيطة للوصول الى عين الماء والعودة .
ما أن تنتهي حتى تعود لتبدأ عملية \"خض اللبن\" وعمل \"الجبجب\" والجميد والجبنة والسمنة البلدية وغيرها من المؤن الحياتية . يتلوها البدء من جديد بالتحضير إلى \"التشريك\" وملأ المشارب بالماء للأغنام العطشى التي ستقبل بعد قليل عطشى ومنهكة من رحلة \"السراحة\" . بينما قد يرافق تلك الأعمال وحسب الموسم أعمال أخرى تبدأ \"بالحصيدة\" وتنتهي \"بقطف الزيتون ، وقد يتخللها مرافقة الحراثين أو السهر على البيدر أو حتى السهر مع معاناة \"عنزة ولادة\" .
لا أظن انه كان لدى جدتي أو مثيلاتها آنذاك شيء اسمه \"وقت فراغ\" تذهب فيه مع صديقاتها إلى مول القرية مثلا ، - كون هذا الاختراع لم يكتشف بعد – وأجزم بأنه إن كان هناك وقت فراغ لديها فأنها ستكون إما \"بتغزل\" أو \"بتصوف\" ، بينما تنهي يومها المتكرر الشاق منهكة ومتعبة راجية ألا يحضر الله لهم ضيفا في آخر الليل ليجبرها على \"التشريك\" من جديد وإعداد عشاء سيكون اما \"منسف\" او \"فتيت\" يتطلب عمل \"المريس\" .
مع هذا وفي ظل الزمن التكنولوجي وزمن الآلة التي خففت علينا العبء ومنحنا وقتا شاسعا من الفراغ أصبحنا لا نطيق القيام بالأعمال الخفيفة والبسيطة ونحتاج في ذلك إلى \"خدامة\" أحيانا.
أنا لست ضدهن ولست بقاطع رزق كتب لهم ، ولكني أرى بأنهن أصبحن \"برستيج\" لا أكثر مثل السيارة ومثل الخلوي ومثل موديلات الملابس .
أصبح المهم أن يكون لدي \"خدامة\" تبرطم بالعربية المكسرة أحيانا ، بينما أجلسها في المقعد الخلفي من السيارة ، وآخذها معي إلى السوق أحيانا أخرى، ولا يهم أن تعمل أو لا تعمل لدي ونيابة عني بل يكفي أن تسد فراغا عندي وان يقول الجميع فيما بينهم : \" لد عندها خدامة \" .
الدليل على انها للمظهر فقط ... أننا وطوال عملها لدينا لم نتعلم منها كيف نقول في لغتها كلمة واحد ك : مرحبا \" مثلا .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com