أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الصفدي :الأردن مستمر في إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة ومستعد لإرسال المزيد حال فتح المعابر بحكم قضائي .. الخطيب ينتصر مجدداً على مرتضى منصور اليونيفيل: الاعتداء على الجيش اللبناني انتهاك للقرار 1701 عقوبات بريطانية على 30 سفينة إضافية تابعة للأسطول "الشبح" الروسي 17 مفقودا في مصر بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر الزعيم الأعلى الإيراني يدعو لإصدار أحكام إعدام لقادة إسرائيل الأميرة دينا مرعد ترعى حفل جمعية مكافحة السرطان الأردنية الـ 60 فيلم وثائقي يروي قصة حياة الوزيرة الراحلة أسمى خضر الساكت يلتقي السفير العضايلة في القاهرة كاتس: سنسرّع بناء سياج على الحدود مع الأردن %100 نسبة إنجاز 5 مشاريع نفذتها مديرية أشغال عجلون في 2024 رأفت علي: التأهل لم يحسم وهدفنا نقاط المباراة أبو جرادة : هذه الابنية ستهدم ضمن مشروع تطوير أحياء عمان الفيصلي يتصدر دوري الشباب لكرة القدم عيادة متنقلة لخدمة اللاجئين الفلسطينيين بالزرقاء مفتي الاردن : التدخين حرام استخداما وبيعا وصناعة مسؤول أميركي: الكابينيت سيصادق الثلاثاء اتفاق وقف النار بلبنان ميسي يتجه لصناعة دراجات فاخرة .. تعرف على قيمتها إطلاق مشروع المراجعة الشاملة لإدارة الأدوية الاحتلال يزعم احباط تهريب أسلحة من الأردن
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة العنف في الخطاب الفكري وتداعياته

العنف في الخطاب الفكري وتداعياته

20-05-2010 10:30 PM

بقلم د . احمد عويدي العبادي

 : يركز هذا المحور على مواجهة الخطاب الثقافي العربي المعاصر لأنماط العنف الفكري وتداعياته السلبية على الثقافة والفكر والسلوك في عالمنا العربي

تم القاء البحث في  / مؤتمر تبوك الادبي من 3/6 / 2010 – 7/6 / 2010

ملخص

العنف الذي  يدور  في العالم وتنقله وسائل الاعلام مباشرة  , ساهم في  تنمية نوازع الشر  والتطرف  لدى المشاهدين والسامعين والقارئين  والاجيال الجديدة وبخاصة الشابة منها , فضلا  عن تجاوب صغار  السن والمراهقين  عمرا وفكرا   وسياسيا , لكنه تجاوب سلبي  ينطوي على نوازع الانتقام كرد فعل طبيعي , وبخاصة في غياب : الحرية والديموقراطية والعدالة وحقوق الانسان وتكافؤ الفرص . من هنا فان النتيجة غالبا ماتكون  بممارسة   العنف  تفكيرا وتنظيما ورسالة وخطابا وتعبيرا وعملا , تعبيرا عن الذات وتحقيقا للذات  .

        فالواعي  الذي يدرك مثل هذا العنف قد يتحول الى  انتهاج عنف الخطاب للتعبير او الرفض او الدفاع عن النفس او الفكر ,  وقد يتحول الجاهل الى اداة لتنفيذ العنف والتطرف والارهاب الحكومي وغيره , على انه  الوسيلة الوحيدة لتحقيق الذات الشخصية والعربية  والاسلامية والتخلص من الحكومات والانظمة  والغرب والصهيونية  والماسونية , التي غالبا مايقرنها معا انها في جبهة واحدة وان اختلفت خنادقها ومتاريسها .  

  من هنا ظهرت الكثير من الانظمة والتنظيمات  المتطرفة  وفصائل المقاومة والتمرد على الواقع , في العالم وبخاصة  تلك التي برزت للوجود في العالم العربي  والاسلامي  ودول العالم الثالث وبخاصة في افريقيا  , منها مايتبنى الخطاب التفجيري ومنها مايتبنى الخطاب التكفيري , ومنها مايتبنى الخطاب التخويني  لكل من لايتفق معهم في الراي , والفتاوى بهدر  الدماء جاهزة من جميع الاطراف . فتحول الجدال الى القتال والحوار الى النار . ليس هذا فحسب , بل ان الاطراف المتصارعة سواء الممثلة للدول او للتنظيمات  او فصائل المقاومة كل يريد شطب الاخر ولا يعترف به  , ولكن ذلك يؤدي عادة الى تقوية  وتوسع وتمدد من يعتبر الضحية ويؤلب الناس على من يكون  الجلاد في نظرهم .

    كما ادى ذلك الى رد فعل قوامه  العنف الرسمي والفردي والتنظيمي  والحكومي والإعلامي في الخطابات  والاجراءات  والمواعظ والقوانين وردود الفعل , مما  صعد التاثير على الفكر والسلوك لدى العديد من فئات الشعب العربي والاسلامي  والغربي  رغم تباين الدين والعرق والبلدان والمصالح , وصار كل تنظيم ونظام يمارس العنف أو ينادي به يجد له صدى ومؤيدين من شتى الاعراق واللغات والاوطان . وبذلك صارت هوية العنف قولا وعملا وسلوكا هوية عالمية وليست  مجرد هوية محلية او اقليمية , وصار العالم كله يتاذى منها سواء اصدرت عن دول او  تنظيمات . فالعنف هوالعنف والتطرف هو التطرف والقتل هو القتل والارهاب هو الارهاب سواء اصدر عن دولة او تنظيمات  .

 ولا بد من القول هنا ان هذا العنف المتبادل الذي يقود الى الثار والفعل ورد الفعل قد تجاوز الى الساحة العالمية , و كرد فعل من الغرب على ذلك كله ,  اثرت  العمليات التفجيرية  على مصالح العرب والمسلمين  جميعهم في الغرب , رغم انهم لاناقة لهم ولا جمل بما يحدث , سوى  دفعهم للثمن  في امر لايخصهم  , وذلك باتهام كل عربي ومسلم انه ارهابي  قولا  وفعلا وتنظيما رغم انه قد يكون ضحية هذه الاتهامات او لايؤمن بها او لايمارسها اساسا.

        ولكن الدول يمكن ان تعالج   مثل هذا العنف من خلال الحرية والاحتواء والحوار والمشاركة والانتقال السلمي للسلطة  والاعتراف بالآخر وعدم الإقصاء , ونبذ الفساد  واعتماد برامج التاهيل  الرسمي  والمسامحة لمن اراد ان يثوب الى رشده .

 

البحث

العنف هو خروج التصرف الانساني  ورد الفعل عن المالوف الاجتماعي والديني والقانوني والثقافي والسياسي الى ماهو مغاير للمتعارف عليه في هذه الاطر ومضر بالاخرين  , وبالتالي  يعتبر نشازا عن المالوف او المقبول , وخلخلة للتوازن  الاجتماعي او السياسي او الامني .

فالمجتمعات البشرية عانت من العنف عبر تاريخها وجهلها او طغيان السلطة فيها او هيمنة مجموعات على اخرى او الاحتلال او الحروب او نهب الثروات او الصراع الداخلي بين مكونات المجموعات والمجتمعات  المختلفة ,  مما اضطر هذه المجتمعات  الى ايجاد اعراف وقيم اجتماعية  وقوانين وحدود  واطر تؤدي الى الضبط الاجتماعي للفرد والجماعة . واضطر  كل مجتمع  الى  ايجاد ضوابط محددة  عبر التاريخ تختلف باختلاف الاجيال والقرون واالثقافة لذلك المجتمع في حينه وذلك لكي يضمن بقاءه واستمراره  ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) .

  وتعارفت هذه المجتمعات على  هذه الضوابط  التي تحفظ توازن المجتمع بانها  الحد المقبول المعقول   او خط التوازن الذي يعتبر تجاوزه او التقصير فيه جريمة تستحق العقوبة  , وان اي تصرف ضمن هذا النطاق يكون مقبولا ولا عقاب عليه بل وربما يؤدي الى المكافأة ايضا , ضمن سياسة وضوابط العقاب والثواب , وبالتالي  فهو تصرف محمود لديهم ويساهم في الفة المجتمع  وانسجامه وامنه وطمانينته واستمراره واستقراره . كما ان الطبيعة السوية للانسان ترفض العنف وترفض اغتصاب الارادة الانسانية , وترفض العبودية ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ؟ ) .

  وكان الانسان عبر مراحل تاريخه  في صراع من اجل البقاء , سواء في صراعه مع الطبيعة او المخلوقات او الانسان او مع الذات , ولكنه صراع  قد يكمن في العنف او مقاومة العنف ,  وقد يكون بالاستسلام , ولكن اي خطاب عنيف يؤدي دائما الى تصرف عنيف وبالتالي الى تولد فكر عنيف .

      وعلى اية حال فقد ادى العنف بكل اشكاله الى بحث الانسان منذ القدم عن الامن والحماية / الامن النفسي والروحي والسياسي  والاجتماعي والغذائي والاسري والمعيشي / الاقتصادي , والحماية من عنف الطبيعة والانسان والوحوش  والكوارث , وتصدى لكل جانب من هذه بطريقة تهدف الى البقاء وتحققه ماامكن ,  وتناسب الحالة او الظاهرة , وبالتالي كان صراع الافراد والجماعات معا متكاتفين من اجل البقاء اولا ثم الاستقرار والاستمرار ثانيا ثم البناء ثالثا وبالتالي بناء المجتمع والحضارة , وانشاء المدن والدولة والضوابط الاجتماعية والقانونية المدونة  التي  تقوم الادارة او الدولة بايقاع العقاب على  من يتجاوزها .

       وقد كانت الحروب تتسم بالعنف والقتل والاحتلال او الدفاع العنيف مقابل الهجوم العنيف دونما رحمة او شفقة , وكان الصراع على الماء والكلاء واعادة توزيع الثروة او الرزق او الفقر في المجتمعات البدوية نمطا من العنف والعداوات والثارات بين الافراد والجماعات في غياب الدولة  والقانون الرسمي  والسلطة المركزية  وبذلك  خسرت المجتمعات من غياب السلطة المركزية اكثر مما كسبته في غيابها .

     كما ان السعي من اجل السلطة  غالبا مايؤدي الى العنف في الخطاب والتصرف معا والفعل ورد الفعل , فمن يسعى الى السلطة قد يلجأ الى الانقلاب او المذابح في محاولة لالغاء ء الاخر واثبات نفسه  , مما يشحن الخطاب الثوري او العنيف لاقناع الناس بان الطرف الاخر هو الاسوا وانه فاقد الشرعية , وان هذا الجديد هو  الافضل في المعادلة , وكل يريد القضاء على الاخر في غياب التداول السلمي للسلطة وغياب  التعددية السياسية والحزبية والفكرية والحرية والديموقراطية والفرص المتكافئة  , وحضور الثأرات والانتقام وحكم القهر والغلبة وقد يغيب خطاب التسامح والتاخي لان كل طرف يريد الغاء الاخر  وشطبه  بكل وسيلة كماقلنا ,  رغم ان وجود هذه العناصر  انما تحفظ توازن المجتمع , ومن حقهم جميعا ان يعيشوا ولكن الا يعيثوا في الارض فسادا ( من سائر الاطراف ) .

     إن التعبئة المشحونة بالكراهية والتخوين للمعارضة السياسية والمحتجين , وهذه بدورها التي تكفر الانظمة وتخونها , انما تهيئ الأجواء لصراع كالح ودام وعنف لايعرف الرحمة ولا النهاية  ولا الاخوة الانسانية او الدينية او الوطنية او القومية , ذلك ان عنف التفكير مقدمة لعنف االخطاب وهو بدوره مقدمة لعنف الممارسة أو التعبير عنها، فالتخوين والعمل على الغاء الاخر انما هما كالتكفير , مما يعني استباحة الدم والتبرير للتصفيات  الجسدية، خصوصاً عندما تصدر عمن يجلس في قمة القرار سواء من التنظيمات او السلطات الرسمية .

     فالشعوب المطحونة بالفقر والقهر والذل الى حد المجاعة , او بالأوبئة الى حد الكارثة والفساد من المسؤلين الى حد افلاس البلاد , واعتبار تكديس  السلاح ثقافة وضرورة وليس  فكاهة , فانها لا تحتاج إلى خطاب يصب الزّيت على نار متوقدة  أصلاً , وانما هو مجتمع من القش اليابس المشرب بالبنزين اذا مااشتعل لايقتصر حرقه على طرف واحد . ومن المحزن ان يكون الخطاب الرسمي وعيدا بالحرب  والاجتثاث والملاحقة وراء السراب ,او وعيدا بها جميعا  , لأن التوقع اكثر شرا  احيانا من الوقوع. ولأن الناس تنظر للدولة انها الاب والراعي وبالتالي ترجو أن تسمع خطاباً منها يعدها بالمعالجة لمعاناتهم وأوضاعهم  المزرية وليس سماع خطاب العنف الذي يهرب منه الناس. فالناس تصبح بين قطبي رحى من تبادل عنف الخطاب وعنف السلوك وعنف التكفير وعنف التفجير وعنف الوعيد وعنف التهديد , ويدفعون الثمن غاليا بالفعل , ويحتكم الناس في النهاية الى استخدام القوة لحل المعضلات مما يدخلهم في دوامة مع السلطة والطرف المعادي , لذا تظهر تيارات اخرى عادة قد تكون اشد عنفا او تدعو الى الحوار , ولكن العداء بين الاطراف يكون قد وصل الى كسر العظم بحيث تغيب العقلانية عن الجميع

      كما ان العبودية كانت  نمطا من انماط العنف السلوكي والتفكيري , يمارسها الانسان حيال اخيه الانسان  , فجاء الاسلام وعالج  الرق بطريقة تنسجم مع نفسية الرقيق والسادة في ان واحد وتحفظ توازن المجتمع ايضا وتاخذ وقتا حتى تصل الى مبتغاها . وكانت العبودية نمطا  من العنف الاجتماعي ايضا , وقد حث الاسلام على الرفق بالناس بشكل عام والرفق بالرقيق بشكل خاص ايضا .

   فالعنف الاجتماعي كان يتم في غياب الدولة وغياب السلطة المركزية وغياب توحيد عناصر المجتمع , . وقد الف الاسلام بين قلوب الناس بعد ان كانوا اعداء فاصبحوا بنعمة الله اخوانا .

واما العنف الديني , فان الاسلام جاء يدعو الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ( وجادلهم بالتي هي احسن ) ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر )  , وقد دعا الاسلام الى عدم الاكراه في الدين ( لااكراه في الدين  قد تبين الرشد من الغي ), وهو دين محبة والوئام والاحترام والتقديس لانسانية الانسان وروحه وحياته , واعتبر الاسلام ان عنف القتل بدون سبب امر فظيع جدا ومن الكبائر اذ يقول تعالى(( من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا  ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا ) وجاءت النفس هنا على الاطلاق , اذ لايجوز قتل الانسان الا بمسوغات واسباب شرعية . وتزداد حرمة القتل اذا كان القتيل مسلما لان دم المسلم على المسلم حرام , وايضا اذا كان بريئا لاعلاقة له بحادث القتل او كان طفلا او امراة او شيخااو عابدا في صومعة .

وقد اوصى سيدنا ابو بكر رضي الله عنه جيوشه المتجهة الى الشام  الا يقتلوا طفلا ولا امراة ولا متعبدا ولا حتى حيوانا الا لمأكلة . والا يقطعوا شجرا , وهذا نهي عن العنف , لان دروب الجهاد واضحة في الاسلام .

      وفي العصر الحديث فان العنف الديني من جميع اتباع الاديان قد حولت الناس الى مجتمعات كراهية  متناحرة متنافرة للاسف الشديد لم تنفع معها الدعوات الى حوار الحضارات وحوار الاديان  , وقد ادى هذا الى الصراع السياسي والعنف السياسي وبالتالي العنف التفجيري وعنف القصف الرسمي ,ومذابح الابادة الجماعية  والقتل للابرياء سوا عنف الدول ام عنف التنظمات والافراد والمجموعات الحقيقية والوهمية  . وبمعنى اخر : عنف مقابل عنف , ودماء وقتل مقابل دماء وقتل , وهدم وقصف سواء من الدول لفئات من شعوبها او من الفئات ضد دولها او دول معينة اخرى . انه تبادل العنف في كل شيء .

    ادى ذلك الى عنف الخطاب المتبادل  وعنف الاعلام المتبادل والاتهامات المتبادلة  ايضا في ان كل طرف يتهم الاخر انه ارهابي وعنيف , وكل يرى نفسه انه يمثل الشرعية , فالتنظيمات ترى انها وصية على المسائل الشرعية  وانها ممثلة الشعوب المقهورة وانها تبحث عن احقاق الحق الضائع , وكل يرى نفسه ممثلا للاغلبية الصامتة والشرعية الحقيقية , وبالمقابل فان الدول ترى انها الوصية على المسائل السياسية والعسكرية وعلى الشعوب ومصالح الشعوب تحت مسميات  وعناوين كثيرة  , ولا احد من اطراف النزاع  يسمع الاخر ولا حوار ولا جلوس على طاولة واحدة ولا احد منهم يعترف بشرعية الاخر اطلاقا , وفي جميع الحالات فان الابرياء هم الذين يدفعون الثمن , وهم الدروع البشرية التي تكتوي بنار الحروب والتفجيرات والقتل والقصف .

  وقد ادى احتدام العنف الى  ان كل طرف من اطراف النزاع يستعين باطراف خارجية وتصبح الصراعات والعنف اما بالوكالة كل عن طرف اخر , او انه   صراع البقاء , لان ايا منهم اذا خسر فانه يرى ان الطرف المنتصر سوف يقضي عليه ويسحقه عن الوجود . اذن انه صراع البقاء , او الصراع من اجل البقاء وليس الصراع من اجل البناء , وبالتالي يرى كل طرف ان بقاءه يكمن في القضاء على الاخر .

  ولكن مايحدث ان الحرب اوله الكلام واخره الموت الزؤام , فكل طرف له وسائل اعلامه التي تتحدث عن انتصارات وهمية او حقيقية وكل منهم يريد ان يجتذب الناس ويؤلبهم ضد الاطراف الاخرى , وبالتالي زيادة في عنف الخطاب وعنف الجواب وعنف القتل , ومزيد من الضحايا والمذابح الجماعية والمفقودين واللاجئين والمهجرين من ديارهم بحثا عن ملاذ امن ان وجدوه . وهذا يؤدي عادة الى تدخل الامم المتحدة والهيئات الدولية الانسانية منها والسياسية  مما يقلل وينتقص من سيادة الدولة من جهة , ويرفع من اهمية وقوة اعدائها  من التنظيمات من جهة اخرى .

  وبذلك فانه وكما قال نصر بن سيار في نهاية العصر الاموي :

ارى تحت الرماد وميض نار   وتوشك ان يكون لها ضرام

فان النار بالعودين تذكى      وان الحرب اولها الكلام

وبالتالي فان عنف الخطاب والكلام يؤدي الى الصراع , وبالتالي انتاج عنف فكري وعنف سلوكي وعنف انتقامي  وعنف تكفيري وعنف تفجيري وكل يقول عن ضحاياه انهم شهداء , وان الاخرين  قتلى ليس الا .

وقد يؤدي العنف  الاسري والاجتماعي والفكري ايضا الى عنف سلوكي يحتاج الى ضبطه عبر القانون او العرف او الدين . ولا شك ان تشديد العقوبات بحد ذاته هو نمط من العنف القانوني الذي يمكن ان تسلكه الدولة ايضا . فهناك بعض الدول التي لاتعرف الرحمة بشعبها , وتهدم الحريات وترفع من سقف العقوبات الى الحد الاعلى ولا تسلك برامج التاهيل , ولا تهتم لمعاناة اسر السجناء  مما يؤدي الى الحقد على الدولة وبالتالي الى  توسع العنف وايجاد بيئة خصبة منه  للانتقال الى مرحلة جديدة وجيل جديد من العنف في كل شيء, وفي مثل هذه الدول والحالات فان اولاد السجناء ونساءهم قد يتحولون الى مجرمين  ومنحرفين واصحاب عنف ليس بالسلوك وحده وانما ايضا بالفكر  والتصرف والقتل والانتقام , وذلك لغياب رب الاسرة   وتعطيل دوره في تربية اطفاله , بل ان بعض الدول تترك اسر السجناء  الى شياطين الانس وسؤ المصير .

     كما ان السجون السيئة تؤدي الى تربية السجين على العنف والانتقام  واساليب الاجرام والانحراف , لذا نجد الكثير من اصحاب العنف الفكري والعنف الخطابي , والانحراف السلوكي  قد ذاقوا مرارة السجون والتعذيب  ففقدوا انسانيتهم وكرامتهم  لعدم الانسانية في التعامل معهم , فيتربون على الانتقام , وعندما خرجوا ثاروا لانفسهم والحبل على الجرار تحت عنوان الثار للفكر الذي يحملونه .

     لذا فان الافضل هو التحاور معهم وان تقوم الدولة اية دولة باحتواء الجميع لان الدولة هي رب الأسرة وأب للجميع , والكل رعاياها العاق منهم والبار , وحينها فاننا لا نقول ان العنف سيندثر لكنه وبكل تاكيد سيقل او يتحول من الافعال الى الاقوال ومن النار الى الحوار . فالعنف الرسمي يؤدي الى العنف الشعبي , وعنف الخطاب  يؤدي الى عنف الخطايا ,  والعنف في التعليمات والقمع  يؤدي الى العنف في الفكر ورد الفعل , وسوط السجان يؤدي الى تبني السجين لسياسية وسلوكية القصف  والتفجير باقصى درجات العنف بكل تاكيد  مما يزيد التوتر والاحقاد  ورفع درجات التكفير والتفجير .

  ولا بد من القول هنا ان الاعلام وخطاب العنف واساليب العنف التي تتبعها الاطراف المنتنازعة اوجد تعاطفا او عداوة لكل طرف من الاطراف وان تباينت النسبة بين من يؤيد هذا او ذاك .

  وقد ساهم اعلام الشبكة العنكبوتية على انتشار فكر العنف سواء بتبنيه من قبل الاجيال اذا كان صادرا عن التنظيمات , او مهاجمته اذا صدر عن الدول , وبالتالي انخراط الدول الخارجية في كل صراع مما يجعل سيادة الدول التي فيها عنف الخطاب والفكر دولا منقوصة السيادة , وكانها تؤدي العنف بالوكالة  او تحارب العنف بالوكالة . ولا شك ان الفضائيات والبحث عن السبق الصحفي وعدم تصديق عامة الناس لاعلام الدول ومتابعتهم لاعلام التنظيمات جعل هذه التنظيمات تبدا بذرة صغيرة ثم تتحول الى شجرة ثم الى غابات كبيرة وواسعة , ومن فكرة الى شيء ضخم تارة ومضخم تارة اخرى , وفي كلا الحالين فان  الدول  تساهم من خلال عنف القمع والخطاب الى تقوية وتوسيع التنظيمات ايضا وبسرعة كبيرة . واصبحت هذه التنظيمات مثل رامبو كلما اطلقت عليها رصاصة ازدادت قوة وسعة وضخامة

 وان اصعب واخطر انواع العنف ماكان منها مبنيا على الدين , لتعلقه بالعقيدة والتفكير والجهاد والجنة والنار ومفهوم الامة , مما يجعل الناس  يستمعون اليه ويقفون عنده ,  كما ان  من يفعل هذا العنف  او يفكر به او يمارسه ياتي بالفتوى التي تناسب سلوكه او فعله  وتعطيه شرعية ذلك , سواء  اكان ذلك من جهة الدول او من قبل التنظيمات ,  وكل يحاول جاهدا ان يجد الفتوى الشرعية لعمله وسلوكه , وفي جميع الظروف فان كل واحد يجد من يؤيده فيما يقول , وكل واحد يجد من اصحاب الفتوى مايؤيد وجهة نظره او فكره او عنفه سواء اكان دولة او تنظيما .

وحيث ان الشعوب لاتثق بما يصدر عن الجهات الرسمية  بشكل عام , وتنظر للتنظيمات انها ضحية الاضطهاد الديني والسياسي فان المؤيدين لعنف الخطاب والفكر ينقسمون  الى ثلاث فئات :

= فئة تنخرط في ممارسة العنف ضد الدول  سلوكا وعملا وتجد من الضحايا والحاقدين مايؤيدها

= فئة مساندة  تنخرط  في العنف عن طريق الادلاء بالحجة والتاييد الاعلامي والكلامي والعقيدي / الايدولوجي

= فئة تلتزم الصمت , او لنقل تتجنب القول والتصرف علنا في تاييد هذه التنظيمات وهي في اعماقها مع , ( وربما ضد ), ويقتصر حديثها على الجلسات المغلقة واهل الثقة , وعلى الاسماء المستعارة على مواقع الانترنت , مما يؤجج الصراع وحدة التوتر وزيادة االمؤيدين لمن يمارس العنف الخطابي ضد الدول , وبخاصة ان وقوف الدول غير المسلمة في عداء مع التنظيمات او تاييد لدولة او دول عربية او مسلمة  , يزيد من تاييد عنف الخطاب ضد الدول والجيوش النظامية , ويزيد من تاييد التنظيمات , وهذه حقيقة موجودة ونراها على ارض الواقع .

 = وينظم الى هؤلاء فئة تؤخذ بالجريرة ,  ترى انها  خاضعة  للجلد او مهددة بالخضوع له  لمجرد الشبهة بها ,وبالتالي تجد  هذه الفئة ان الافضل ان تنتقم لنفسها  او لاي من افراد اسرتها اذا طاله او طالهم الاذى .

= اما الجهات الرسمية في العالم فهم بين احد ثلاثة حلول للعنف

1-      اما تكريس العنف الفكري الرسمي قولا وفعلا  وبالتالي ايجاد مجموعات وفئات بين مؤيدة ان كانت منتفعة وفئات رافضة ومقاومة اذا كانت خاسرة , وهذا يؤدي الى العنف في الصراع ايضا وانعدام الثقة وكل يدعي الشرعية / الدولة لها شرعية ولاية الامر والقانون , والطرف الاخر يعتبر نفسه حاملا للشرعية الدينية ونابذا لمفهوم الولاية بالطريقة الموجودة في الكثير من الدول الاسلامية  , وهذا يؤدي  الى اضطراب الفتاوى وتناقضها في اعلى المرجعيات الفقهية ,  ووضع الناس في حيص بيص , وفي العادة فان الناس تميل الى المعارضة وتصدقها اكثر  مما تصدق الدول .

2-      = التزام الصمت وتغطية الحقائق وكأن شيئا ليس موجودا على ارض الواقع  ولكن هذا علاج غير ناجع لان الامر لابد وينكشف وتنهار الامور او تنفجر في وقت واحد او متلاحق بسبب التراكمات , وهنا يعتبر مثل هذا الاجراء نمطا من ترحيل المشاكل  من حكومة الى اخرى لكنها تبقى عبئا على الوطن وعلى الدولة .

3-       واما الاسلوب الثالث فهو الاحتواء والصفح والعفو واعادة التاهيل وهي سياسة, ناجحة الى حد كبير  لو ان الدول العربية سلكتها  , ويمكن ان تؤتي تؤكلها ولو بعد حين اذا ماتم التوسع بها عموديا وافقيا , كما انها تؤدي إلى ارتياح شعبي كبير .

4-      صحيح ان يستحيل سوق الناس كلهم الى طريق واحد  او منهج واحد في الحياة , ولكن اجتذاب  الغالبية منهم لابد ويجنب الكثيرين من ان يكونوا ضحايا العنف الفكري والسلوكي .

            ولو فعلت الدول ذلك لتقلص العنف وسلم الكثير من الابرياء الذين يلقون حتفهم كل يوم وهو لم يقترفوا ذنبا ابدا سوى ذلك الذنب الوهم الموجود في ذهن الحاكم العربي المبني على الحقد على الشعب  .

نخلص الى القول

ان الحوار والتثقيف هما افضل وسيلة  لتجنب العنف , وان الحرية والديموقراطية والعدالة والمشاركة وحقوق الانسان وتكافؤ الفرص ووقف التهميش ووقف الغاء الاخر ,  والشفافية ومعاقبة الفاسدين , وتقليص الفوارق الطبقية , اذا ماتحققت هذه البنود  للفرد والجماعة , فانها  تسحب البساط من تحت اقدام من يتولى او يؤثر العنف , بغض النظر من تكون جهته .

وان الانسجام مع ثقافة الامة الوسطية يساعد على الاعتدال وبالتالي فان مانشاهده من العنف سينحسر كثيرا لو ان سياسة الاحتواء والحوار والتاهيل والمشاركة السياسية كانت هي الرائدة والسائدة في العالم . ولكن مانراه للاسف الشديد هو  ممارسة العنف المسلح والقيام بالثورات المسلحة وما يسمى الكفاح  المسلح ، بهدف إسقاط السلطات القائمة وطرد الاحتلال وقوى الغزو  بقوة السلاح والعنف المسلح ، وقد تسلل خطاب العنف هذا ، الى الشعر والمسلسلات والمسرحيات والرواية والقصص القصيرة ، لتستحيل الرؤيا الفكرية والإبداعية إلى فوهة  بندقية اولغم او قصف مدفعي او طيران او احزمة ناسفة او تفجير طائرة  ، و ليتحول أديم الأرض ساحة  لضحايا العنف السياسي  وعنف الخطاب, وقد ظهرت مواقع الكترونية تحث على العنف والانتقام , وتمجيد  العنف عبر شعارات  وخطابات  واعمال تتغنى به  كوسيلة وحيدة لتحقيق حرية ورفاهية الشعوب وتحررها مما يسمونه  نير وطغيان الحكام الظالمين والجائرين والمحتلين , ومما تسميه الدول رعب الارهاب والانتحار .

 وبذلك نجد كثيرا من المجتمعات قد تحولت الى مجتمعات كراهية وتناحر وتناحر بسبب العنف , واصبح الجميع عدوا  للجميع والكل عدوا للكل ، سعيا وراء السلطة والغاء الاخر, بل  وسحق الأخر بأقسى ما يمكن من قوة  مفرطة ,  تحت شعار تحقيق السلام وحقوق الانسان وجلب الحرية والديموقراطية والعدالة  .

  ويجب الاعتراف بالقول ان   خطاب العنف  صار سائدا  في أعلى مستوياته التعبوية السياسية أو الأدبية والثقافية ، وهو يشحّن ويجلد العواطف والمشاعر بالهيجان والغليان  , واحيانا يحدد مسار الأعداء والخصوم ومواقع  الخنادق المتعادية بين أبناء الوطن الواحد او الدين الواحد  ، فكل مَن ينافس غيره على السلطة فهو عدو لدود حتى ولو ارادها عبر التداول السلمي للسلطة ، و كل مَن ليس مع هذا الفريق او ذاك فانه مصنف انه ضد وليس مع  ,  وكل مَن ليس راضيا عن اي طرف  أو معترضا عليه ، فهو ضده ويجب أن يُسحق فورا وبدون أية رحمة , ولا احد منهم يرحم الاخر ولا يرحم الناس ..

و الآن بعدما تشبعت الأذهان والعقول والنفوس حتى النخاع ، بخطاب العنف واعمال العنف , أخذ بعض منا يفطن ــ ولو متأخرا ــ أو بالأحرى يدعو عبر صحف و فضائيات إلى ضرورة الحد من نبرة هذا الخطاب الناري و الدموي وتركه خلف الظهر، و أحلال محله خطابا أخر معاكسا له  تماما ، خطابا جديدا  يجب أن تتسم نبرته بروح التسامح والتآخي والوئام الوطني ، و احترام كرامة وإنسانية الأخر ، إضافة إلى نبذ العنف ونبذ نزعة الهمجية الطاغية والميل المهووس نحو تسقيط الأخر والغائه  ....

إنها دعوة حميدة ومحمودة وجديرة بالثناء حقا .. ولكن مَن يبالي أو يقتدي بها ، و خاصة في البلدان العربية التي  تعاني من الاحتلال  والاختلال وتقطيع للأوصال والاتصال والمفاصل ، و من سطوة قوى حكومية ومجموعات مسلحة متنازعة بضراوة ، سيما إذا كان هناك العديد من الحكومات وأعدائهم , ممَن يعتقدون بأن أهدافهم السياسية ومساعيهم إلى السلطة او الفكر او الخطاب سوف لن تتحقق إلا عبر أشلاء الضحايا ، يدعمهم في ذلك خطاب العنف والعنف المضاد .

إلا أن الحديث ، مجرد الحديث فحسب عن ضرورة تغيير نبرة خطاب العنف نحو نبرة التسامح والتعامل الإنساني والحضاري بين شرائح ومكونات المجتمعات البشرية  ، لهو بحد ذاته بادرة جيدة ورائعة ، بالمقارنة مع الخطاب التخويني والتكفيري .

وكل محاولة من هذا القبيل ، يجب أن تعقبها الخطوة الأولى : نحو نشر خطاب ونص التسامح والعيش السلمي المشترك وقبول الأخر المختلف بعيدا عن القبضة المشدودة والساحقة والى الحوار واحترام الاخر وسماعه والاحتفاظ برابطة الود , والابتعاد عن الاستفزاز والتحدي .

 ونخلص الى القول ان عنف الخطاب من اي طرف يؤدي الى مثله من الاطراف الاخرى لان كل فعل له رد فعل مساوي له بالقوة  ومعاكس له بالاتجاه , ولا بد من توسيع قاعدة المشاركة ورفع سقف الحريات ووقف الفساد والافساد , ولا بد من توسيع قاعدة سياسة الاحتواء والتاهيل .

 





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع