زاد الاردن الاخباري -
رانية الجعبري - بكت بصراخ حاد ويدها تمتد لوالدها, الذي بدأ ينزل درج دار الضيافة في إتحاد المرأة الأردنية مبتعداً عنها بعد انقضاء ساعتي المشاهدة الاسبوعية لصغيراته إثر انفصاله عن زوجته. في تلك الأثناء كانت تقوم مديرة الدار بطباعة آخر إحصائيات الأسر التي أعيدت لها الحياة الزوجية العام الماضي. كان صراخ الطفلة التي لم تتجاوز الثلاث سنوات وكأنه يحمل في مضمونه كلمات بليغة ترجو بتوسل حار أن تكون عائلتها - إن توفرت الأسباب والأجواء - ضمن إحصائيات العام المقبل, إذ تقوم دار الضيافة وبوجود مختصين بمحاولة دراسة أوضاع المطلقين والمنفصلين أثناء مشاهدة الأطفال, بغية السعي لإعادة الحياة الزوجية لتلك الحالات من جديد, إلى جانب استقبال الأطفال وذويهم لتوفير ظروف مشاهدة للطرف غير الحاضن ذات أجواء صحية أكثر للطفل من المحاكم ومخافر الشرطة. وتمكنت الدار خلال العام الماضي من إعادة الحياة الزوجية إلى 170 أسرة عبر فروع الاتحاد المتوزعة على محافظات الممكلة وذلك بنسبة 17% من مجمل الحالات الواردة للاتحاد. كما بلغ عدد الحالات التي نجح فيها الاتحاد بإقناع الحاضن بتحويل المشاهدة إلى منزل أحد أفراد الأسرة بدلاً من دار الضيافة خلال العام الماضي 487 حالة, وذلك بنسبة 45% من مجمل الحالات الواردة لديه. برنامج دار الضيافة.. الحاجة أم الاختراع بدا من استعراض مديرة دار الضيافة التابع لإتحاد المرأة الأردنية ميسر اسماعيل لتاريخ بدء البرامج المعنية بحماية المرأة من العنف في الاتحاد أن حاجة المجتمع هي التي أفرزت فكرة برنامج دار الضيافة, فقد انطلق العمل في عام 1999; بعد دراسة قامت بها لجنة مجابهة العنف ضد المرأة أفادت أن العنف ضد المرأة يشكل ظاهرة مجتمعية تتطلب التحرك والعمل للحد منها. كما تبين حسب ميسر أثناء تلك الدراسة أن سبب تزايد العنف ضد المرأة هو جهلها بالقانون, فكانت أحياناً تتقبل أشكال العنف المختلفة لاعتقادها بأنها إذا طالبت بالانفصال فإنها ستخسر حضانة أبنائها, الأمر الذي دفع إتحاد المرأة لإنشاء خط الإرشاد القانوني والاجتماع والنفسي في عام 1996م. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الحالات الواردة لخط الإرشاد منذ تأسيسه حتى عام 2009 بلغ 4 آلاف حالة, في حين قدم خط الارشاد الأسري خدمة التمكين القانوني والنفسي والاجتماعي في العام الماضي لـ (880) حالة. ومن رحم هذا البرنامج جاءت فكرة برنامج دار الضيافة في عام ,1999 الذي يهدف لتوفير مكان آمن لاستقبال مشاهدات أطفال المطلقين في جو أقرب إلى جو الأسرة ولمَّ شمل الأسرة, بعد أن كانت تتم المشاهدات في المحاكم. أهداف الدار.. النظر للخلافات من زوايا متعددة تبدأ قصة إعادة الحياة الزوجية - في حال توفرت الأسباب - عندما يأتي أحد الوالدين لتقديم طلب عبر حكم المحكمة للمشاهدة في الدار, ثم يقوم الأطراف بالتوقيع على ورقة تتضمن آداب الدار, اضافة لتوثيق أسباب الطلاق; وعليه يتم فتح ملف لهذه الأسرة, ويخصص لكل أسرة أخصائي يرصد المشاهدات أثناء عملية المشاهدة, وبعد ذلك تلجأ الأخصائية للجلوس مع الطرفين, وتشرح لهما أهداف الدار, وإذا شعرت بوجود إمكانية للرجوع عند الطرفين; تبدأ جلسات الإرشاد الأسري لتحديد المشكلة, ومن ثم بذل المحاولات لحل المشكلة. وفي حال تم اجتياز تلك المراحل يتم إعداد وثيقة إعادة الحياة الزوجية والتي توقع عليها كل من المحامية والأخصائية النفسية في إتحاد المرأة والزوجين, وقد تتضمن الوثيقة شروطاً يتفق عليها الطرفان, وفي هذا السياق بينت ميسر أن الوثيقة ملزمة أخلاقياً, ويبقى الإتحاد ممثلاً بدار الضيافة يتابع حياة الزوجين, ساعياً إلى حل أي مشاكل جديدة تعترض الأسرة, كما أن هؤلاء الأزواج ينضمون فيما بعد إلى لجنة المؤازرة في الاتحاد ليساهموا في مساعدة أسر أخرى مفككة. فداء (33سنة) التي التقتها العرب اليوم أثناء ترددها على إتحاد المرأة بسبب انضمامها لبرنامج تمكين المرأة وتلقيها دورات تعليم الخياطة كانت مثالاً حياً لما سبق, فقد التم شمل أسرة فداء قبل سبعة أشهر بجهود الأخصائية الاجتماعية في الدار وبفضل المحبة التي جمعتها هي وزوجها الذي لم يتخل عنها رغم انفصالهما أربع سنوات حسب الأخصائية التي كانت تتابع قضيتها. إلا أنه ورغم ذلك فإن مشكلة فداء كما وصفتها بذاتها كانت من قبيل السهل الممتنع فكان تدخل أهله وأهلها في خصوصياتهما الدافع لخيار الانفصال, وذلك بدلاً من بقاء المشاكل خاصة بين اثنين يكنان الحب لبعضهما وقادرين على تجاوزها. وتؤكد فداء أن الدرس الذي تعلمته من تجربتها هو حصر خصوصيات الأسرة في نطاق ضيق لا يتجاوزها وزوجها, لكن السؤال هو: ما الأثر الذي تركته هذه التجربة التي اختبر فيها الزوجان حبهما - في نفوس أطفال ثلاثة لم يتجاوز أكبرهم السبع سنوات?. وإذا لم توفر الأسباب لإعادة الحياة الزوجية للأسرة, فإن الدار تسعى لاقناع الحاضن بتحويل المشاهدة إلى المنزل بدلاً من دار الضيافة, كونه المكان الأقرب لأجواء الأسرة, مؤكدين في هذا السياق أن مصلحة الطفل هي المقدمة في هذه القضية, فلو كانت على سبيل المثال المشاهدة المنزلية ستعرض الطفل للخطر والعنف كأن يكون الطرف غير الحاضن يتحرش بالطفل أو يعنفه فإن هذا الخيار يتم اللجوء إليه. والحل السابق هو ما تسعى إليه جدة أحد الأطفال المستفيدين من برنامج الدار إذ انها تتطلع وابنها العامل في أحدى الدول العربية إلى تحويل الرؤية إلى المنزل ليتأتى له المجيء في إجازة ورؤية أطفاله, إذ أنه من غير المنطقي حسب الجدة أن يأخذ ابنها إجازة من عمله ويأتي لرؤية طفليه لمدة ساعتين وحسب. وفي حين تعذر حل المشاكل بين الزوجين تماماً تلجأ الأخصائية الاجتماعية أو النفسية لحماية الطفل, لأنه في العادة يأتي محرضاً ضد الطرف غير الحاضن, فتسعى لامتصاص نقمة الطفل, عبر توعية الطرف الحاضن بهدف تكييف الطفل ضمن هذا الواقع.0 العرب اليوم