عندما يضطر أي مواطن لمراجعة أي دائرة حكومية في بلدنا الحبيب، يبدأ بالتفكير ومراجعة أسماء معارفه إذا كان هناك من يعمل في تلك الدائرة من معارفه أو من معارف أصدقائه. وفي حالة أنه وجد ضالته تكون أبواب السماء قد فتحت له ويذهب في اليوم التالي مبتهجاً وهو يعلم أن معاملته لن تستغرق سوى دقائق معدودة بعد أن يكون هو وقريبه الموظف قد تخطى رقاب جميع المواطنين البائسين الآخرين.. وفي حالة أنه لم يجد أحداً مسبقاً فهو لا يفقد الأمل، ويذهب في اليوم التالي آملاً أن يكون أحد معارفه القدامى موجوداً. وإن لم يجد يحاول أن يسأل هناك عن موظف من عائلة أو عشيرة فلان عله يجد ضالته. ولا يخطر ببال هذا المواطن أن تخليص معاملته يحتاج إلى الوقوف في الطابور... وليس المواطن هو المخطئ أو المسؤول ، بل على العكس فالمسؤولون في البلد والوزراء والنواب على رأسهم هم أول من يتخطون القوانين ويكسرون قواعد المواطنة والمساواة ويبحثون عن الواسطة من أجل أخذ حق آخرين. فمن البديهي أن حصولك على ما هو ليس حقاً لك حتى وإن كان في الوقت فقط ، هو اعتداء على حق إنسان آخر جاء قبلك وانتظر دوره....
في السنة الماضية عادت بعض الحقوق إلى أصحابها مع غياب المجلس النيابي. ولكن ولسوء حظ الكثيرين من أبناء هذا الوطن سيعود المجلس النيابي لممارسة دوره في إفشاء الواسطة والمحسوبية وإرهاق الموازنة العامة في كل ما هو سيئ وجائر وخارج عن القانون!!!
ومن مجمل تجربة هذا الجيل مع المجلس النيابي لا بد من القول أننا لم نر له حسنة تـُذكر!! بل لقد ظهر في مرات عديدة أن الحكومة بدون مجلس نيابي أفضل بكثير من وجودهما معاً، لأننا في حالة عدم وجوده نعلم أن المسؤول عن سوء الوضع هو الحكومة أو الوزير. أما في حالة وجود المجلس فالمسؤولية تتجزأ وكل يتهم الآخر والنتيجة واحدة فوضع المواطن يتردى....
طبعاً الجميع في بلدنا الحبيب يعلم أن هذا ليس تجنياً، بل ومن السهل جداً إثباته عندما تأخذ معاملة وتحاول أن تنجزها بدون واسطة أولاً وبواسطة في اليوم التالي. وستجد التعقيدات في المرة الأولى والتسهيلات في المرة التالية مما يسبب الغصة والمرارة في روح المواطن الذي نطلب منه حب الأردن بلا قيود أو ضوابط.. ولكن هل نظن أننا نتعامل مع ملائكة أم مع بشر مثقفين واعين لما يحصل حولهم وفي قوت يومهم....
نحن مقبلون على مرحلة جديدة يعلم المسؤولون فيها جيداً أن المناطق التي تقل فيها نسبة التصويت هي مناطق تؤمن أنها مغبونة اجتماعياً، وأنها ليست من المستفيدة من هذا المجلس أو غيره. ولهذا فهي ليست في وارد التصويت، وأن هذا المجلس ليس مجلساً لها بقدر ما هو مجلساً عليها... فهل من متعظ ؟؟!!
د . معن سعيد