زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - لا أحد في الأردن يمكنه أن يتوقع السقف الذي يمكن ان تصل له مبادرة الشراكة البرلمانية التي تواجه مرحليا واحدا من مصيرين: التحول بقوة القرار السياسي والمظلة الملكية الى خطة عمل سريعة وناجزة لها مخالب وقادرة على الإختراق، أو الإنضمام الى متحف المبادرات المماثلة الذي يتضمن وثائق اصلاحية يعلوها الغبار.
مبادرة الشراكة هي عمليا اليوم آخر مشروع اصلاحي مقترح على المستوى الهيكلي للدولة الأردنية يتميز وحتى الآن بأنه الوحيد الذي ينطلق كفكرة ومنهج من داخل مؤسسة البرلمان ويحظى بنفس الوقت بالرعاية الملكية المعتادة.
برزت فكرة الشراكة في وقت مبكر بعد تشكيل حكومة المشاورات البرلمانية برئاسة الدكتور عبد الله النسور.
آنذاك تقدم النسور بطلب الثقة من الحكومة وكان الوضع معقدا فاقترح عضو مجلس النواب البارز مصطفى الحمارنة فكرة تشكيل إطار يؤمن بالشراكة بين السلطتين دون إطلاق تسمية محددة.
على أكتاف فكرة الشراكة حصلت حكومة النسور على ثقة البرلمان وتطور الأمر بعد ذلك الى تعميق الفكرة وربطها باسم مبادرة الشراكة مع ضم عدد من النواب المهتمين بكتلة داخل المجلس تحمل نفس الاسم.
قبل البدء بالتفاصيل والحفر في الأعماق قدم النائب الحمارنة وهو ليبرالي بارز ومعروف تصورات مكتوبة للقصر الملكي.
في تلك المحطة قال الحمارنة ‘للقدس العربي’ مباشرة بأن آليات العمل بين السلطتين ينبغي أن تتطور باتجاه أجواء تشخيص وطني حقيقي ودقيق للمشكلات والتحديات مبينا بأن وثيقة في هذا الإتجاه تم اقتراحها وهي تنمو.
لاحقا يبدو أن كتلة المبادرة حصلت على ضوء أخضر واسع النطاق من مؤسسة القصر الملكي حيث أبلغ أحد أعضاء الكتلة ‘القدس العربي’ بأن توجيه صدر للحكومة للعمل مع مؤسسة البرلمان وكتلة المبادرة على ايجاد اطار توثيقي يضمن وضع خطة عمل.
قبل أيام فقط من الإنتقادات العلنية التي طرحها الملك عبد الله الثاني شخصيا تحت عنوان تراجع وترهل الإدارة في القطاع العام صدرت التوجيهات وعبرت الحكومة لبحث التفاصيل مع الدكتور حمارنة وأعضاء كتلته.
على هذا الأساس بدأت ورشة عصف ذهني تحاول استثمار الطاقة الذهنية والحضور العلمي والسياسي والدولي لشخصية من طراز الدكتور الحمارنة.
حاليا تناقش مع نحو 11 وزيرا أفكار اصلاحية عصرية متقدمة جدا ويعتقد على نطاق واسع بان دعوات العاهل الملك عبد الله الثاني للإصلاح الإداري تمهد لولادة وثيقة جديدة تتضمن خطوات عملية وقطاعية تحت اسم مبادرة الشراكة وهو الإسم المعتمد لأغراض الترسيم والتصنيف حتى الآن.
النقاشات لازالت مستمرة لكن عملية العصف الذهني وصلت الى محطات محورية وأساسية من بينها التعاطي مع ظاهرة العنف الإجتماعي والإنفلات الأمني، وتطوير قطاع الخدمات ومؤسسات القطاع العام، وملفات اللامركزية الإدارية مع مناقشة أفكار جريئة من بينها الغاء وزارة الداخلية والعمل على تنسيق وتكريس منهجية المواطنة والحقوق المدنية.
يبدو في السياق أن المسألة تتعلق بوجود اطار جديد وعصري للعلاقة بين سلطتين التنفيذ والتشريع وفقا لأنماط نجحت بقوة في الغرب على مستوى السياق الفيدرالي في الإدارة أو على مستوى تشكيل مؤسسات رديفة للحكومة تحت عنوان التشارك مما يقود الى تكريس مشروع دستوري وشرعي يتميز الإستقرار تحت عنوان حكومة ظل رديفة.
ذلك يتطلب خطوة أعلنها الملك شخصيا في الواقع عندما تحدث عدة مرات عن تصعيد وتطوير مستقبل لآلية المشاورات الوزارية وتشكيل الحكومات، او عندما تحدث عن التحول الى ملكية دستورية او نظرته الجديدة لمؤسسة ولاية العهد وللادارة الشمولية غير المركزية.
قد لا تختلف النقاشات هنا عن اخرى مماثلة لها جرت سابقا تحت مظلة وثيقة الأجندة الوطنية او لجنة الحوار الوطني أو وثائق مؤتمر الاردن أولا او اجتماعات كلنا الاردن.. هذه النشاطات جميعا انتهت بوثائق اصلاحية ملقاة الآن في الأدراج وهو مصير بالرغم من خبرة الدكتور الحمارنة وفريقه يمكن أن يهدد مصير الوثيقة الجديدة باسم مبادرة الشراكة.
المسألة لا يمكن ابعادها كثيرا عن سياق الخطاب الإصلاحي الإستهلاكي، لكن مستجدات الاقليم والتحولات الدراماتيكية في المنطقة قد تشكل هذه المرة أداة ضغط على صانع القرار الأردني.
يقال على نطاق واسع بأن ملف مبادرة الشراكة قد يكون الجدار الأخير الذي يمكن الإستناد عليه في ايجاد موطىء قدم للأردن على مستوى التحول الكبير في المنطقة وعلى مستوى التوظيف السياسي ومصداقية خطاب الاصلاح برمته خصوصا عند الدول المانحة والمجتمع الغربي.
بطبيعة الحال ستنشط قوى الشد العكسي وانماط المقاومة البيروقراطية المعتادة كلما تقدمت مبادرة الشراكة بالنمو العلني، الأمر الذي يتطلب إرادة سياسية من نوع مختلف هذه المرة تجعل جميع المؤسسات الرسمية وتحديدا الأمنية في نطاق حماية الإصلاح بدلا من إعاقته.
القدس العربي