تعتبر الضريبة من صلب هيكل نظام الاقتصاد الإسلامي وهي الأداة المهمة أو الذراع الفاعل لتنفيذ السياسات الاقتصادية وسياسات الأمن والحماية والتحوط الاجتماعي ، ولقد تطورت الفلسفة الضريبية على مر العصور لتشمل جميع الأنشطة الاقتصادية على اتساعها وتنوعها واختلافها ، وهذا ما يؤكد أن نظام الاقتصاد الإسلامي بصفته نابع من الشريعة الإسلامية واللذان هما من مصدر رباني هدفه الأول والأخير إسعاد الفرد والجماعة وتعظيم دالة الخير وتقليص دالة الشر والشفاء .
من يأخذ النصوص الشرعية يجد أن الأساس الذي بنيت عليه الموارد المالية هو توفير ما تتطلبه المصالح العامة من النفقات ، وتأمين أرباب الأموال على أنفسهم ، وأموالهم ، وتحقيق التعاون بين أفراد المجتمع ، من خلال مصادر ومصارف الزكاة التي حددها الشارع ، فالضرائب هي واجبات ألزم بها الأفراد في مقابل تمتعهم بالحقوق ، وليس كما نشاهده في لأنظمة الوضعية والتي تهدف فقط إلى الجباية دون أن يرافقها نفس المستوى من الخدمة .
تتنوع الضريبة في الإسلام بين ضريبة الأموال المنقولة مثل زكاة النقديين والبهائم وعروض التجارة ، كما تشمل ضريبة الأرض الزراعية مثل الخراج ، وضريبة الأشخاص مثل الجزية وأهل الذمة وزكاة الفطر ، وضريبة العشور التي تؤخذ على الصادرات والواردات الإسلامية ، هذه الأنواع من الضرائب شاملة لكافة الأنشطة الاقتصادية بل هي محددة بشكل يضمن العدالة في التطبيق على المكلفين وفي التحصيل منهم .
ويروى عن عمر أنه عندما وضع الجزية التي وجبت على غير المسلمين في مقابل تمتعهم بالحقوق مثلما فرضت الزكاة على المسلمين مقابل حقوقهم ، وعندما حدد عمر الجزية بين أن كل غني موسر عليه 48 وأربعين درهما في العام ، و متوسط في حالته فعليه 24 ، وفقير يعمل فعليه 12 ، وبالتالي فإن عمر بذلك يكون أول من طبق نظام الضريبة التصاعدية التي تراعي إمكانات وقدرات المكلفين ، كما راعي في وضع الخراج على الأرض باعتبارها مصدر الدخل وبما تحتمله وما يطيقه أهلها .
الإسلام لم يضع الضريبة ويتركها بل هدف إلى تحقيق العدالة من خلال وضع شروط صالحة للتطبيق لكل زمان ومكان فالقاعدة الأولى هي العدالة وهي أن يكون اشتراك المكلف في نفقات الدولة يتناسب مع قدرته وإمكاناته وبنسبة الدخل الذي يتمتع به في ظل الدولة ، أما قاعدة الملاءمة فهي ترى أن تكون جباية الضريبة في أكثر الأوقات ملاءمة للمكلف وبالكيفية المتيسرة له أكثر من غيرها ، أما قاعدة اليقين فترى أن الضريبة التي تفرض على كل فرد يجب أن تكون واضحة معلومة من حيث موعد الدفع وكيفيته ومقدارها ، وأخيراً قاعدة الاقتصاد فهي الاقتصاد في نفقات الجباية فتفضل الضرائب التي تقل نفقات جبايتها على تكثر نفقات جبايتها ، حتى يكون الفرق بين ما بخرج من خزائن المكلفين وما يدخل في خزائن الدولة أقل فرق ممكن .
ومن الشروط الأخرى التي يضيفها علماء الشرع في أن تكون الضريبة على صافي الدخل وليس على أصل رأس المال ، وجميع تلك الشروط تدل على أن النظام الضريبي هو غاية في الدقة والعدالة ، وبهذا يكون الإسلام سبق الكثير من الأنظمة في عالم الضرائب وخاصة في مجال تنوع الضرائب حيث يقول الشرع أنه لا يجوز وجوب زكاتين في حول واحد وبسبب واحد ، كما اهتم الإسلام في الحرص والتدقيق على اختيار رجال الضرائب الذي يقومون بجمعها من المكلفين ، وذلك لأن العدالة في نظر الإسلام ليست في سن التشريع فقط بل في مراعاة حسن التطبيق .
بفعل السياسة الضريبية تطورت السياسة المالية في الإسلام كانت رشيدة وعادلة حققت الكثير من الرخاء للمجتمع الإسلامي ولمن كان يعيش في كنفه ، ولم تكن يوماً إلا دليل على رقي وتطور الحضارة الإسلامية |.
اعتقد أن تلك المبادئ في وضع الضريبة والتفنن في اختراع أخرى جديدة ، قد يستفيد منها معالي وزير المالية لوضع قانون ضريبي فعال وكفؤ ، غير عشوائي مبني على القدرات والإمكانات الفعلية للمكلفين ، وليست مجرد جباة وإرهاق للقدرات الاستهلاكية والادخارية للمكلفين والتي هي عماد وأساس التطور الاقتصادي .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com