بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991م، الذي يعد بمنزلة الإعلان عن الفوز الساحق لمعسكر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، جعل الغرب يبحث عن بديل جديد يعاديه؛ وقد تواترت التصريحات الغربية عن اختيار الإسلام كعدو جديد بديل عن الخطر الشيوعي الذي طالما حشدوا طاقاتهم لمواجهته، ونذكر على سبيل المثال تصريح ويلي كلايس -الأمين العام السابق للحلف الأطلسي- لصحيفة الإندبندنت البريطانية:
(إن الخطر الذي يشكله الإسلاميون هو أهم التحديات التي تواجه الغرب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وزوال خطر الشيوعية).
تأتي دول العالم الإسلامي في ذيل دول العالم من حيث تطبيق المبادئ الديمقراطية واحترام الحريات العامة؛ إذ تحكم الغالب الأعم من دول العالم الإسلامي النظم الديكتاتورية، وتخضع لحكم الفرد، بما يجعل هذه الدول وكامل مقدّراتها ملك يمين الحاكم يوجهها كيف يشاء.
حيث ظهرت في العقود الأخيرة كرد فعل للعديد من المظالم التي ارتكبها الاستعمار، ونال نصيب الأسد منها العالم الإسلامي بعض الدعوات الاستئصالية المتطرفة التي تنادي بتدمير العالم الغربي حفاظًا على الإسلام، فنجدها تجهر بالدعاء عليه بالهلاك، هكذا دون التفرقة بين المحاربين والمدنيين، وبين المنتفعين والمتربحين من نهب ثروات الدول الضعيفة في العالم، وآخرين مغيبين تحت وطأة إعلام يصم الآذان ويقلب الحقائق ويصف أبناء العالم الإسلامي بأشنع الصفات ويصورهم كمجموعة بدائية من الهمج الأشرار.
وبالطبع نجد أصحاب المصالح يتلقفون هذه الدعوات المتطرفة -حتى وإن كانت صادرة عن فرد واحد أو مجموعة هزيلة- ويعملون على تضخيمها ويبرزونها إعلاميًّا.
فنجد تصريحات متواترة هذه من مسئول التنظيم في بلاد الشام، وتلك منسوبة لزعيم تنظيم آخر في بلاد المغرب العربي، وأخرى على لسان أمير الجماعة في شرق أوربا، وهكذا باستمرار حتى يتسرب الفزع إلى قلوب كل أسرة غربية من الخطر القادم من العالم الإسلامي لسحقهم، فيسارعوا بالارتماء في أحضان حكوماتهم ليفوضوها بالتصدي لهذا الخطر الداهم!
وبعد التفكير بعمق في هذه الأسباب أجد أنها جميعًا تعود في جوهرها إلى حالة الضعف والهوان التي تعيشها الأمة الإسلامية على كل المستويات. ودعونا نتخيل الوضع في حالة أن الأمة الإسلامية تعيش في عصر نهضتها..
فمن ذا الذي يستطيع أن يُنكر عليها تمسّكها بدينها؟ أليس من أبسط حقوقها أن تمارس شعائر دينها وتطبق أحكامه وفق ما توجبه عقيدتها؟
كذلك في حال امتلاك الأمة الإسلامية للقوة العسكرية الكافية لردع أعدائها، لما وجدنا من يطمح أو حتى يُفكر في السيطرة على مقدراتها واستغلال ثرواتها.
الحل -إذن- ينبع من داخلنا نحن.. من داخل العالم الإسلامي، حينما يقرر أبناؤه وداع هذه المرحلة المظلمة من تاريخه، والقيام والنهوض من جديد لبناء خير أمة.
أيضًا ستنتهي الإسلاموفوبيا حين يستطيع العالم الإسلامي انتزاع حقوقه المسلوبة وتحرير أراضيه المغتصبة، ومن ثَم يعترف به العالم الغربي كقوة موجودة وكأمر واقع، ويصبح جُل اهتمامه التفكير في كيفيه التعايش مع هذه الأمة، وليس في كيفية استنزافها واضطهاد أبنائها.
كذلك ستنتهي هذه المشاعر السلبية تجاه المسلمين عندما يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بركب التقدم العلمي والاقتصادي، فيفتح مجالات للعمل أمام أبنائه، ويستطيع الاستفادة من طاقاتهم المهدرة عن طريق هجرتهم إلى خارج العالم الإسلامي.
وأخيرًا سيساهم الإصلاح السياسي في عالمنا الإسلامي في علاج هذه الظاهرة، وذلك عندما يستطيع أن يضرب المثل والنموذج في تطبيق ما أمر به الإسلام من نظام سياسي يقوم على الشورى والعدل والمساواة والتكافل... وغير ذلك من التعاليم الإسلامية الراقية التي يحتاجها الغرب، ولكنه -للأسف- لا يراها بسبب حالة التأخر التي يعاني منها العالم الإسلامي.
فلنجعلها -إذن- دعوة للعمل والجد والاجتهاد لكل مسلم، ويومًا بعد يوم سننجح -بإذن الله- في إثبات مكانتنا بين دول عالمنا المعاصر، كما نجح آباؤنا في انتزاع الاحترام والتقدير -فضلاً عن الحقوق- في الماضي.