في حَدَثٍ ليس بِمُستهجَن، رفع حزب الأخوان المسلمون العلم الأردنيّ، وقد ألصقوا عليه إشارة رابعة الأخوانية المصرية، في مهرجان يُفْترض أنّه كان لنصرة الأقصى فإذ به يُحجَّمُ ويُقَزَّمُ لنصرة الأخوان ورابعة ومرسي في مصر.
هذا الحدث يجب ألّا نمرّ عليه مرور الكرام، فإنْ سُمِح للأخوان بهذا الفعل اليوم، فمن المنطقي إذًا أن نرى المطرقة والمنجل على علمنا في مهرجان للشيوعيين غدًا، والصليب المعقوف بعد غد، وأيّ رمز لأي تنظيم أو حزب آخر. فكما لكم رموز، للآخرين رموز أيضًا. وبالمحصلة، فإنّ هذه الرموز والإشارات خاصة بكلّ حزب أو تنظيم أو جماعة، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد برموز الوطن المتعارف عليها، التي هي لجميع المواطنين دون استثناء.
الوطن ليس منصّة خشبية نعرط من فوقها كما نشاء؛ لقد أشبعنا الصّهاينة عرطًا فأشبعونا استيطانًا، أشبعناهم جعجعة، فأشبعونا طحنًا وسحلًا. أطرمناهم زعيقًا وصياحًا فأمطرونا قنابل وصواريخ. الوطن ليس مزرعة ولا بقالة ولا سلعة نتاجر به وبما يشتمل عليه من رموز هي لمواطنيه جميعهم.
الأخوان ، يقولون القول ونقيضه؛ ففي تصريحهم يدّعون أنّ التّهمة محض افتراء كاذب، ونفوا الخبر قائلين إنّها أخبار ملفقة، في الوقت الذي تظهر فيه إشارة رابعة على العلم الأردني بالصّور التي لا مجال للشكّ فيها. إضافة إلى نظرتهم( هم) لا غيرهم إلى ما تعنيه هذه الإشارة. فملايين الشعب المصري الذي يعنيهم هذا الأمر دون غيرهم، لا يرون ما يراه الأخوان في مصر أو الأردن تجاه تنظيم الأخوان العالمي. وفي الوقت الذي يرى فيه الأخوان أنّ هذه الإشارة أصبحت رمزًا للحرية والعدالة وووو، نرى أنّ هذه الإشارة تعني لهم ما تعني، في حين لا يعني هذا الأمر أحدًا غيرهم. إذن فالإشارة خاصة بهم لا بغيرهم. أمّا العلم فيلتف حوله أبناء الوطن جميعهم ومنهم الأخوان أيضًا؛ فصدره الواسع يتّسع لكل مواطن محبّ لوطنه وترابه.
إنّ دسّ الأنف في شؤون غيرنا يستدرج دسّ أنوف الآخرين في شؤوننا، وهذا ما لا يرضاه عاقل. نعم، المصريون أخوتنا وأشقاؤنا، ولكن لا يعني هذا أن نصطف مع فريق ضد آخر، أو نخوّن هذا ونمنح صكوك الغفران لهؤلاء. شعب تعداده عشرات الملايين ليس في حاجة إلى وصاية أحد من الخارج، ولا فزعة لفصيل على حساب آخر.
وبالعودة إلى مانحن في صدده نقول: إنْ رفعتم العلم الأردنيّ فهذا شرف لكم؛ لأنّه يمثّل الكلّ لا الأجزاء، ولكن إذا رفعتم هذه الإشارة أو تلك فإنها لا تمثّل إلا جزءًا لا كلًّا، إضافة إلى أنّها تثير الحفيظة والاستنكار في نفوس غيركم. الأصل أهمّ بكثير من الفروع مهما تعدّدت وكثرت وتنوعت. جذع الشجرة لا يعوّض، فإنّ اجتثّ ذوت الشجرة وماتت، ولكن إذا كُسِر فرع أو غصن فالتّعويض وارد كسنة من سنن الطبيعة. فلنعد إلى الأصل الذي يتّفق عليه الجميع، ونترك الفرع الذي قد لا يرضى عنه الجميع.