تحل علينا مناسبة عطرة للمرة الرابعة والستين لتذكرنا بمنجزات أسستها وأعلت صروحها أسرة هاشمية معطاءة على مدى يزيد على 6 عقود تمكنت من خلالها من بناء نموذج اجتماعي محكم لم يغفل أهمية جمع مختلف مكونات الوطن في مركب واحد يسير وفق بوصلة واحدة تتحرى مواجهة تحديات الوطن فضلا عن المساهمة برفعته، ليشار إليه بالبنان في قدرته على تسخير قدرات أبنائه لتجاوز عناصر نقص موارده الطبيعية.
وقد نجح الهاشميون على نحو فريد في جمع أبناء الوطن بأطيافه وطوائفه ومنابته وأصوله على قاسم مشترك أساسه محبة الوطن والإخلاص لثرى ترابه، إذ لا تصدف أي من هؤلاء في مشرق الأرض ومغربها وقد دفعته مصاعب الدنيا لهجرة موطنه لنيل عمل أو فرصة تعليم إلا وقال لك "أحمل الجنسية الأوروبية أو الأميركية، لكني لم أنفك عن جذوري ولن أرضي لبني كذلك لقد بارك الله في أرضي وجعلها موطنا للصديقين والشهداء وقد كانت حجر الرحى لفتوحات في صدر الإسلام، فنجان قهوة أصيلة أمام منزلي في كرك مؤتة أو أربد اليرموك تضاهي ثروات الدنيا".
لم تكن هذه اللغة أن تتجلى إلا فيمن شرب من ماء الأردن وتنفس هوائه العليل ونَعم بثقافته المتسامحة مع البعيد قبل القريب، من دون نظر لاختلاف دين أو طائفة أو أصل، فقد رسخ الهاشميون في أبناء الوطن ثقافة جمعية منذ إطلاق مسمى الجيش العربي، كما كان الأردن ولا يزال حامل لواء حماية المقدسات والدفع بالقضايا العربية المصيرية والتي لا تحتمل مجاملة للبعض أو إشعار البعض الأخر بشعور المن تجاه هذه الواجبات المقدسة.
حين توجه الرسول عليه الصلاة والسلام لإحدى رحلاته التجارية للشام وتوقف بموقع قريب من منطقة الأزرق الأردنية قبل مبعثه وتفيأ بظلال شجرة مباركة لا تزال شاهقة إلى يومنا، كان في وقوفه عليه السلام في تلك البقعة وبقاء الشجرة دليلا تاريخيا منذ ما يزيد 14 قرناً دلائل وإشارات ذات بلاغة دامغة، فقد أراد النبي الكريم أن يوحي لمن بعده بقدسية مكان سيظل بظلاله ملايين من بعده، فهذه الأرض ليست كأي أرض إنها بلد المحشر، وإنها أيضا من أكناف بيت المقدس.
تعود ذكرى الاستقلال لتؤكد من جديد على قدسية المكان وسكانه، الذين علمتهم الحياة أن في صلفها وقسوتها فوائد جمة في كثير من الأحيان، فكيف سيحفظ المجتمع أصالة كرمه وعونه والوقوف إلى جانب الضعيف والغريب والقريب من دون وجود أجواء تهيئ لذلك، متأملين أن تزول تلك المصاعب التي لم تنل من صفات مجتمعنا وكرم أصله.
الأردني بطبعه قلق على مصير إخوانه وأشقائه في العراق ولبنان والسودان فضلا عن الصومال واليمن، فكيف به لا يكون همه الأول الوقوف إلى جانب تؤامه الفلسطيني، فقد تنفس كلاهما هواء القدس الشريف، كما حوت أرضهما المقدسة ذكرى بسالة جعفر بن أبي طالب ودهاء خالد بن الوليد وفتوحات عمر بن الخطاب ومرض أبو عبيدة أمين الأمة، فكيف يمكن لتلك الذاكرة المشتركة أن تلغى بمجرد إطلاق البعض أصوات يبدو نشازها أكثر من تناغم مفرداتها.
عيد الاستقلال فرصة للتأكيد على الهوية الأردنية القائمة على تلك الصفات المكتسبة من الشخصيات الإسلامية المذكورة سلفاً، وهي ثقافة نجح في تأصيلها هاشميون يدركون أن الاستقلال لا يعني تجاهل الوقوف إلى جانب قضايا الأشقاء بل هي فرصة لإعادة التذكير بخصال حميدة لا يرضى حامله دون الحفاظ على موعده مع جميع أشقائه.
* أردني مقيم بالدوحة