زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - إخلاء الأردن لمقعده في مجلس حقوق الإنسان الأممي لصالح السعودية وشغفها الشديد بالجلوس في هذا المقعد لأغراض سياسية مباشرة لا يؤشر فقط على مستوى التحالف التكتيكي بين البلدين بقدر ما يؤشر على تفاعل ملموس لنظرية البقاء خلف الرياض المتموقعة في عمق مؤسسات القرار الأردنية اليوم.
عمان وضعت بوضوح بيضاتها في السلة السعودية وقررت البقاء خلف خيارات المربع القوي في مؤسسة الحكم السعودية ليس فقط بسبب عدم وجود ‘سلة’ أخرى معروضة عليها إقتصاديا وماليا، لكن أيضا بسبب تنامي المخاوف المشتركة من التأثيرات الحيوية والتحديات الأساسية التي تواجه أنحسار دور وحضور النظام السني العربي لصالح ما حذر منه العاهل الأردني يوميا وهو الهلال الشيعي.
لذلك يتلمس المراقبون إيقاعا سعوديا صلبا في مجمل سياسات الأردن ليس الإقليمية فقط بل الداخلية وهو نفسه الإيقاع الذي تسبب بتصلب نظرية ‘الإصلاح المتدرج’ في الأردن مع بطء الإصلاحات السياسية والعودة للخيارات المحافظة نخبويا وإظهار قدر من التراجع النسبي عن قفزات إصلاحية ديمقراطية واسعة يمكن أن تثير قلق الجار والأخ السعودي الكبير.
رئيس الوزراء الأردني الأسبق معروف البخيت يبدو معنيا بالإشارة لان ظروف المنطقة المعقدة جدا تدفع يوميا لمراجعات متواصلة هدفها الحفاظ على التجربة الأردنية مع التذكير بأن الإيقاع الإقليمي يبقى مؤثرا في المملكة بحكم الكثير من إعتبارات الموقع الجيوسياسي.
لذلك يلاحظ بعض قادة الأخوان المسلمين ومنهم علي أبو السكر وزكي بني إرشيد بأن الذهنية السعودية التي تدعم الإنقلاب في مصر أصبحت مؤثرة حتى في قواعد وشروط وبيئة اللعبة السياسية مع الأخوان نفسهم في بلد كالأردن في مفارقة لا ينفيها ولا يؤكدها رئيس الوزراء عبدالله النسور وهو يطرح على هامش حديث متجدد مع ‘القدس العربي’ معادلة الترحيب بالحوار مع الإسلاميين لكن بدون مظاهر ‘الدلال’ القديمة.
ترجمة هذا الكلام عمليا يمكن رصدها من الحرص الشديد داخل مؤسسات القرار الأردنية لتجنب إغضاب السعودية أو إحراجها والحرص الأشد على البقاء وراءها ما دامت الطرف الوحيد الذي يقدم الان مساعدة مالية وإقتصادية عملية للأردن أو يراهن عليها.
الوضع المالي للخزينة الأردنية والوضع الإقليمي المفتوح على كل الإحتمالات والتطور اللافت في ما يسميه الأردنيون بالهلال الشيعي وضع الأردن في أحضان الشقيق السعودي سياسيا وإقليميا.
إضافة لذلك مخاوف السعودية من أي تحول دراماتيكي في مسار الأحداث بدولة مثل البحرين دفعت بإتجاه التفكير مجددا بالإستعانة بالخبرات الأمنية الأردنية.
تجلى ذلك أيضا عبر التخلي عن مقعد حقوق الإنسان لصالح السعودية وعبر ترسيم موقف الأردن من الجلوس المفترض في مقعد السعودية الفارغ في مجلس الأمن وفقا للبوصلة السعودية حصريا دون غيرها.
لذلك سبب (يقترح مسؤول أردني كبير قابلته ‘القدس العربي’ مؤخرا) فالمخاوف في عمان والرياض وحتى القاهرة ومعهما المنامة وأبو ظبي حقيقية وجذرية جدا من نظريات امريكية تتفاعل ويمكن أن تدعمها روسيا بعنوان التحالف مع الهلال الشيعي وتهميش النظام العربي السني الذي تقوده السعودية. حسب نفس المسؤول لم يكن الإتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني فقط من أثار قلق السعودية وشقيقاتها في المحور السني العربي بقدر ما ثارت هواجس متعددة في السياق بدأت مع تنامي إحتمالات الإتفاق على النووي وعملية التطبيع البريطانية والأوروبية مع إيران وتراجع الضربة العسكرية للنظام السوري.
والرسائل التي وصلت من بشار الأسد للمؤسسة الأردنية عبر شخصية من طراز البخيت تحديدا عندما قالت دمشق بأن ملف السلاح الكيماوي سيتصرف به الروس ولن يوضع في أحضان أي مبادرة عربية.
المسؤول نفسه كشف النقاب عن قلق جذري في أركان النظام العربي السني وتحديدا السعودي قوامه التقارب التركي العراقي المباغت لجميع الأطراف وتراكم شعور المؤسسات الغربية بأن النظام العربي لم يعد فاعلا ولا منتجا ومشاكله كثيره. إضافة للملاحظات الأمريكية والغربية العامة على أداء وطبيعة إدارة الأمور في الدول العربية النفطية إضافة لهجمة السفراء الناقدة لملفات الفساد والأداء الداخلي وتلك الإشارات التي تقول بأن إيران قادمة بقوة لقيادة المنطقة ويتعزز نفوذها على حد تعبير رئيس مجلس الأعيان الأسبق في عمان طاهر المصري.
سياسيون كبار في الأردن يراقبون جيدا الحراك ‘الإنفعالي’ للأمراء النافذين في معادلة القرار السعودية لان المخاوف حقيقية من ‘إستبدال’ التحالف مع النظام السني بالتحالف مع النظام الشيعي في المنطقة وهو إستبدال يشكل خطرا حقيقيا على الدور السعودي وعلى منظومة الخليج وعلى الأردن ومصر.
لذلك يستذكر مسؤولون في دوائر قرار أردنية نافذة إتهامات إدارة بوش الإبن للسعودية بالإرهاب السني ويشيرون لان هذه الإتهامات قفزت مجددا في اللغة الأوروبية مع ما يسميه وزير الإتصال الأردني محمد مومني بـ’التحشد الواضح والكبير للقوى المتطرفة والإرهابية في الأرض السورية’.
وهو ‘تحشد’ قال المومني لـ’القدس العربي’ بانه مقلق للجميع فعلا ولم يكن متوقعا ويشكل حجة في التحولات التي تحاول قراءة تطورات المشهد السوري وأصبح يشكل أيضا خطرا اساسيا على المصالح الأردنية لان الأردن لا زال حسب المومني مهتما بمسألة مفصلية تتمثل في وجود دولة سورية صلبة ومتماسكة تستطيع إحتواء مشكلاتها وإبقائها غير قادرة على العبور جنوبا بإتجاه الأردن.
مخاوف الإستبدال تفسر بالواقع التقارب السعودي ـ الفرنسي عندما يتعلق الأمر بمباحثات النووي الإيراني. كما تفسر حرص الأميرين بندر وسلمان بن سلطان على تأسيس شبكة لوجستية أمنية وسياسية وإستخباراتية في الأردن تراقب كل ما يجري في سورية وتنفق الكثير من المال في الوقت الذي تفسر الإجتماعات الإستراتيجية التي تستضيفها السفارة الأمريكية في عمان وحلقات الإستشعار التي إنتهت بتواصل ما بين إسرائيل وشخصيات سعودية.
القدس العربي