الأولى: التضحيات و الانجاز
في الوقت الذي أتقن فيه كثيرون تمجيد حركات التحرر الخاصة بأوطانهم وابرازها ، ، وقدمت في هذا السياق كثير من المبالغت،وجرى تلميع شخصيات، وتضخيم أحداث،وصناعة بطولات وابطال،نجد لدينا في الأردن زهدا غير مبرر في ابراز قصة النضال الأردني لإنجاز استقلالنا ، وحتى عندما نعرض في مناهجنا واعلامنا لقصة استقلال الأردن نقدمها بطريقة السرد التاريخي المغرق في ابراز الحدث في اطاره البروتوكولي البحت!فهل من اسلوب نعرض فيه قصة كفاح الأردن الرسمي والشعبي في إطار متصل بالواقع،وفيه ابراز للروح الوطنية الوثابة ، التي صبغت حكاية تحرر وطني ،مشبعة بالوعي والصدق والتضحية ، نجحت في انقاذ الأردن من شبح التشرذم والصهيونية ابتداء، ثم انتهجت اشكال متعددة من النضال الوطني السياسي الرسمي والشعبي المنطلق من معطيات الواقع ومحدداته وصولا إلى لحظة متوجة بالاستقلال.
وهي قصة نادرة تقوم على التأسيس في ظل الانتداب،لكن هذا التأسيس شكل استقلالا بحد ذاته! بالخلاص من سيناريوهات الصهيونية ومخططاتها ومطامعها المرتبطة بنظرتها لحدود تفعيل وعد بلفور واستحقاقاته.
يجب أن يؤمن شبابنا بأن الأردن يمتلك قصة كفاح وطني اظنها لاتختلف كثيرا عن قصة كفاح المغرب الشقيق بقيادة الملك محمد الخامس مع التسليم بالاختلاف من حيث اسلوب التعاطي مع الموقف بين الإنجليز والفرنسيين ،قصة الاستقلال قادها الأمير المؤسس ، بمساندة حركة وطنية واعية متجذرة ومتغلغلة في أعماق المجتمع والعشائر،وكانت حالة من الاستناد التام للعشائر وتفعيل لهذا الاحتياطي الوطني برز من خلال الدور الوطني المشرف للزعامات الوطنية العشائرية ذات التأثير والنفوذ ،التي تقاسمت المسؤولية الكفاحية مع الأمير ووقفت من خلفه وشكلت تيارا وطنيا عريضا يحمل برنامجا وطنيا يقوم على ثلاثة قواعد:الأردن إمارة عربية يحكمها الأمير عبدالله وأعقابه من بعده، رفض وعد بلفور والمخططات الصهيونية ،ورفض الانتداب البريطاني .هذا البرنامج السياسي للحركة الوطنية الأردنية جسده الأمير بجهاده السياسي،وباستشهاده عقب بضع سنوات من اعلان الاستقلال،وكان قد جسده شهيدنا الشيخ كايد العبيدات على اعتاب التأسيس، وفي سياق مقاومة الأردنين للانجليز والصهيونية،وجسده شهيدنا صايل الشهوان،وحمل رايته رجالات الأردن؛حسين الطراونه ،كليب الشريده ، مثقال الفايز، رفيفان المجالي، راشد الخزاعي،سليمان السودي الروسان،ماجد العدوان،حديثه الخريشه، مصطفى وهبي التل ،علي خلقي،محمد علي العجلوني، حمد بن جازي،محمد الحسين العواملة،نمر الحمود،سعيد المفتي،شمس الدين سامي،سالم ابو الغنم،خشمان أبو كركي،علي نيازي التل،عبد العزيز الكايد،عطالله السحيمات،صالح العوران، سيدو الكردي،نجيب أبو الشعر،ناجي العزام،عطوي المجالي،مصطفى المحيسن،نجيب الشريدة،سالم الهنداوي،سلطي الابراهيم،صبحي أبو غنيمه،طاهر الجقه،محمود الفنيش النصيرات، وغيرهم كثير. وأنجزت الحركة الوطنية من خلال سلسلة المؤتمرات الوطنية الأردنية ،ميثاقا وطنيا أردنيا،غاية في الوعي السياسي،والالتزام الوطني ،والانفتاح على الهم القومي بتجلياته وامتداداته ،وصمدت في مواجهة سياسات الانتداب التعسفية،وعانت من اجراءاته القمعية التعسفية،وقوانينه الجائرة المقيدة للنضال الوطني، وتصدت لمخططات الصهيونية، ،وبالرغم من قسوة الزمن وصعوباته تمكن الأمير والشعب من وضع الأردن على طريق التحرر والاستقلال،واعلنت المملكة الأردنية الهاشمية في مثل هذا اليوم قبل أربعة وستين عاما.
الثانية: العطاء والبناء
أنجز الملك المؤسس الاستقلال،واستشهد على عتبات الأقصى مدافعا عن رسالة النهضة العربية،وصنع الملك طلال دستور الوحدة العصري،وصان الملك الحسين الانجاز،وواصل المسيرة، وحافظ على سيادة الأردن واستقلاله وبنى للأردن شبكة علاقات دبلوماسية قائمة على الاحترام والتعاون والندية،وسخر هذه العلاقات لخدمة مصالح الأردن وخدمة قضيته الأولى القضية الفلسطينية.
وعرف الأردن مجددا طريقه لبناء حركة وطنية يقودها الملك وينخرط فيها الشعب بقواه الحية وزعاماته ووجهائه ومثقفيه وسياسييه وأحزابه وضباطه وجنوده ومواطنيه؛ فكان قرار تعريب قيادة الجيش العربي ،والغاء المعاهدة مع بريطانيا،ورفض الأحلاف الأجنبية،و الاصرار على الدفاع عن سيادة الدولة واستقرارها،وصون الوحدة الوطنية،والتصدي لمؤامرات القوى الانقلابية،فكانت قصة كفاح وتحرر وانعتاق وحياة حزبية وتجربة ديمقراطية مبكرة احهضت بفعل المراهقة السياسية والحزبية،وكانت الوطنية الأردنية تجدد ذاتها وتصوغ برنامجها وتصقل تجاربها،وتدافع بشراسة عن استقلال الأردن واستقراره، وتقدم شهدائها على طريق الآلام والآمال الأردنية الذي لانهاية له،فيصعد هزاع ويلحق به وصفي شهداء،ويذرف الملك والشعب دموع الصمود والعناد،ويقود الجيش المجتمع،ويسند المجتمع الجيش،وتنهض الحياة الأردنية بالتعليم وبالأمن،ويرتقي البناء على أكتاف الجنود والعمال والفلاحين،وتزدهر أرياف الأردن وبواديه ومدنه،ويصنع الأردنيون كرامتهم حماية لوطنهم وصونا لاستقلالهم،ويسيرون على دروب الحق والحرية والعدالة والديمقراطية، يحملون البندقية في يد والقلم في يد اخرى،وتمتد أياديهم الخيرة لبناء اوطان الأمة وتعليم ابنائها من المحيط إلى الخليج.
ويودع الأردنيون الحسين ملكا وقائدا صان الاستقلال وثبته، وحمى الأردن من سياقات العذاب وويلات الدكتاتورية ومرارات الفوضى والعنف والجاهلية؛فخاض الحسين حروب الأمة وانتهج سبيلها والتزم خياراتها، وتجرع معها علقم الواقع ومرارات السلام عندما كان هذا خيارها الأخير.
الثالثة: التعزيز والوعد
أنفذ الحسين وعده بأن الانسان أغلى ما نملك،ورحل مطمئنا لما انجزه الاردن ،ليحمل الملك عبدالله الراية ملكا شابا طموحا يمتلك بصيرة ورؤية للأردن القادم،حاسما خياراته وخيارات الأردن والأردنين،منحازا بهم ومعهم للحرية والعدالة والتنمية والمستقبل،معلنا الأردن وطنا لبنيه جميعا بما نهض عليه من مبادىء نهضة العرب، ومتطلعا معهم وبهم نحو مستقبل واعد يقتحم فيه الأردنيون المستقبل بخطى واثقة ورؤى ثاقبة،تقوم على تجذير قيم الدولة الأردنية في السيادة والأمن والحرية والعدالة والتنمية وحقوق الانسان،وترسيخ الوحده الوطنيةوتعزيز الهوية الوطنية الجامعة،وتخطي ثقافة الاحباط والتشكيك والسوداوية،وتجاوز التحديات والعراقيل والمثبطات
وهذه الرؤية الملكية والعزيمة الهاشمية المشبعة بالامل لغد اردني مشرق ينسجم مع عالم متغير وسريع التطور،تستوجب التفافا أردنيا فاعلا من حولها وإسنادا شعبيا وتفهما وإخلاصا وصدقا من الجميع في الدوائر السياسية والاقتصادية والادارية والاجتماعية والثقافية وعلى الصعد الرسمية والشعبية،لمواصلة نسج خيوط قصة كفاح الشعب الأردني ،وإعلاء صروح الوطن وتمكين قواعد الاستقلال وترسيخها.
Bassam_btoush@yaho.com