حسان الرواد
أولا: سقوط بغداد (656 ) هجري.
* مكانة بغداد.
بغداد إلى ذلك الوقت لم تكن كأي مدينة؛ بل كانت عاصمة دولة مترامية الأطراف, وكان أحد خلفائها في العصر الذهبي وهو هارون الرشيد يخاطب السحاب قائلا اذهبي أنّ شئت فإن خراجك راجع لي, دولة امتدت من حدود الصين إلى أقاصي المغرب العربي, وعلى الرغم من ضعف الدولة العباسية, بعد أفول عصرها الذهبي إلا أن بغداد كانت إلى هذا التاريخ تمثل رمز الوحدة والخلافة, ومحج العلماء والشعراء.
* آخر الخلفاء العباسين (المستعصم بالله).
المستعصم بالله, ولم يكن مستعصما بالله, بل كان ضعيفا منغمسا في الملذات واللهو والغناء, وقد أهمل شؤون الدولة ولم يدرك الخطر الذي كان يقترب منه, وكان لهذا الضعف أثرا في تشجيع هولاكو على الزحف نحو بغداد, ورغم تحذيرات الناس الغيارى للخليفة من هذا الغزو وعواقبه الوخيمة, إلا أنه لم يلتفت إلى ذلك وبقي في لهوه وملذاته.
* سقوط بغداد.
لم يكن يوم التاسع عشر من محرم سنة 656 هجري الموافق التاسع من شباط من عام 1258 م يوما عاديا, بل كان نهاية مرحلة؛ فقد جمع هولاكو أكثر من 200 ألف مقاتل, وبها احتل بغداد, وسقطت الدولة العباسية, وقتل في أقل الروايات 800 ألف نسمة, وفي روايات أخرى ما يزيد عن المليون ونصف المليون نسمة, ومن لم يمت بالسيف مات من الأوبئة التي انتشرت نتيجة تعفن الجثث التي لم تجد من يواريها الثرى.
* الطريق إلى الشام.
هذا السقوط المذل, فتح شهية المغول للمزيد من الاجتياحات, فكان الزحف إلى الشام, ودخولها وحرق مدنها وقراها, فقد سقطت بغداد العمق الإستراتيجي للشام؟! وكانت أكثر انتصارات المغول تعتمد على الحرب النفسية وإدخال الرعب في نفوس الناس.
* نظرة في أحوال الناس.
وصلت أحوال الناس في ذلك الزمان إلى درجة أن يأمر الجندي التتري مجموعة من الناس بالانتظار لحين عودته وذبحهم كالشاة ودون أي مقاومة تذكر, فلا يبارحون مكانهم بانتظار قتلهم, نعم, هكذا كانت أحوال الناس من هوان وذل وخوف.
ثانيا: انتصار عين جالوت ( 658 )هجري.
* مصر الهدف التالي.
اتجهت عيون المغول بعد العراق والشام إلى مصر, فقد كانت الهدف التالي بعد الاكتساح والانتصار الذي تحقق منذ زحفهم نحو الشرق قادمين من منغوليا, حيث هزموا الجيوش, ودمروا المدن, وقتلوا الملايين, وحرقوا كل شيء وقف أمامهم, و كان الناس يفرون من بلادهم قبل وصولهم إليهم, وخلّفوا في كل مكان دخلوه خرابا ودمارا بقي أثره لعشرات السنين.
* موقعة عين جالوت.
في عين جالوت كان الأمر مختلفا, (وهي الغاية التي أردت إيصالها إلى القارئ العربي الكريم وسأوضح بالدلالات) حيث اجتمع المسلمون خلف قيادة قطز وبيبرس, ومن خلفهم العالم الرباني العز بن عبد السلام سلطان العلماء وبائع الملوك المحرّض الأول على الجهاد, فكانت المعركة التي غيرت وجه التاريخ, وأوقفت الزحف المغولي, وكسرت شوكتهم التي استعصت على الكثيرين من قبلهم, وبهذا الانتصار توقفت طموحاتهم, وانتهت أحلامهم.
ثالثا: قراءة ودلالات.
في عامين فقط لم يتغير الجيل الذي كان يقف بانتظار قدوم الجندي التتري لقتله, ولم يستبدل الله عز وجل الناس بآخرين, فلم تختلف أحوال الناس في بغداد عن الناس في الشام ولا حتى في مصر, وربما من الناس الذين فروا رعبا من العراق والشام هم من كانوا يقاتلون في عين جالوت ويواجهون التتار بكل بأس وشجاعة, لكن ما الذي حصل؟
سؤال يستحق الإجابة, ويستحق أن يتأمله القارئ العربي في هذا الزمان, وهنا تكمن الدلالة والمفارقة, وهنا يكمن مربط الفرس؟!
فما بين المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسين الذي قتل بعد سقوط بغداد وخصاله التي ساهمت في سقوط الدولة العباسية مرورا بحكام الشام في ذلك الوقت والذين لم تختلف أحوالهم كثيرا عن الخليفة العباسي, وما بين القادة التاريخين لمصر قطز وبيبرس, يكمن الفرق, وما بين عالم جليل واحد مثل العز بن عبد السلام تزداد الدهشة والإثارة ويتحقق النصر العظيم الذي لا يمنحه الله إلا لمن يستحق.
ومن هنا لا بد أن نعلم أن الأمة عظيمة رغم نكباتها ومصائبها, وإن هذه الأمة بشعوبها الحية لن تتوانى عن نصرة دينها وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر, متى ما قدر الله لها القائد التاريخي الرباني أمثال قطز وبيبرس وصلاح الدين, كما أن الغرب يعي ويدرك ذلك جيدا؛ فهم يقرؤون التاريخ ويأخذون منه العبر التي تبقي لهم ميزة التفوق, والحرص الدائم على غياب وتغيب هذا القائد التاريخي ووأده في مهده...؟! لكن رغم ذلك فلسنا عنه ببعيد, وإن الفرج لقريب, وليس شرطا أن يكون عربيا, فقد يختاره الله تركيّا؟! فاعتبروا يا أولي الألباب.
rawwad2010@yahoo.com