كانت أمي رحِمَها الله ,تظلُّ تقولُ لي كلّما اشتريتُ تلفوناً جديداً ,وبعتُ القديم بِتراب المصاري بعد عدةِ اشهرٍ قليلة فقط من شرائه, (والله يَمّه تجارتك مثل تجارة إجحا) , خاصة انني مغرمٌ جدا بتجديد وشراء الخلويات, ومواكبة التكنولوجيا وأحبّ ان يكون بحوزتي دائما اخر ما توصلت اليه شركات الخلوي العالمية, من اجل ان (أجعصَ) فيها قِدّام الناس وأتباهى فيها امام اخواني واصدقائي وزملائي في الدوام , حتى لو كنت اضطر احيانا لبيع اثاث المنزل والاقتراض من البنوك وأستدين من (اللّي بسوى واللّي ما بسوى ) واشحد بعدها من اجل تامين لقمة الخبز لعيالي الجياع, المهم انني اظهر امام الناس بأني رجل عصري وفهمان, وحتى لو كنت قاعد على خازوق أمبَشَّم.. وعلى الرغم من اني في اغلب الاحيان لم اكن اعرف التعامل معها, الا بعد الاستعانة بصديق, المُهم في الموضوع كيف يظهر شكلي امام الناس , واول ما كنتُ اشتري تلفونا جديدا بعد استبداله بالقديم وكالمعتاد, اول ما ادخلُ على اهلي وانا أمدَندِل أذاني وفاتح ثُمّي وأمكَيِّف على حالي, وامسك التلفون والعب فيه امامهم من اجل لفت انتباههم بأنّي قد اشتريت تلفونا جديدا, ولِيقولي لي مبروك التلفون الجديد , كانت امي الله رحمها دائما ما ترمقني بنظرةٍ غريبة تَنُمُّ عن عدم رضاها عن تصرفي الاحمق بالنسبةِ اليها, وتقول لي ((والله يمّه هاظاهوه اللي شاطر فيه أمطيّرِ مصاريك على شغلات فارطه بدل ما توفّرلك قرشين وتعمّرلك غرفتين تقعد فيهن انت واولادك بدل ما انت مثل القطه كل يوم بدار شكل , وقاعد بدور الايجار, والله يمّه تجارتك مثل تجارة إجحا)) , وانا بصراحة لم اكن أعي وافهم ما تقصده امي الا بعد مرور سنوات طويله, وخاصة بعد ان رأيت الحكومات المتعاقبة تبيع مؤسّسات البلد الثّمينه التي كُنّا نملكها وارباحها كانت صافية للخزينة بدون وجود شركاء خارجييّن, الواحدة تلو الاخرى لمستثمرين اجانب بتراب المصاري من الفوسفات للبوتاس للاسمنت والكهرباء والمياه , لشركة أُمنيه , لميناء العقبه والكثير الكثير واخرها قضية الضمان, وكل ذلك من بحجة التخفيف من المديونية الخارجيه والترهل الاداري وتحرير التجارة والاقتصاد الوطني , وأذا بنا بعد كل هذه السنوات العجاف من سياسة التخبّط والتخبيص والملاخَمه والملاشَقَه , مكانك سر للخلف وليس للامام,وكأنّك يا ابو زيد ما غزيت ويا ريت ظلينا مثل اول ...فعلا انه تجارتكم بايره مثل تجارة اجحا , والله لا يوفقكوا ولا يعطيكوا العافيه يا البعيدين !! .