بسم الله الرحمن الرحيم
ربى اشرح لي صدري و يسر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ".....إما بعد،،
لُوْحِظ فِي الآونة الأخيرة هُجُوْم بَعْض الْكُتَّاب الصحفيين عَلَى الْعَشائِرِيّة وَخُصُوْصا بَعْد إصدار قَانُوُن الانْتِخَاب الْمُؤَقَّت الأخير ، وَبَعْد قِرَاءَة الْعَدِيد مِن هَذِه الْمَقَالَات الَّتِي تَم نَشَرَهَا فِي الْصُّحُف الْدَّاخِلِيَّة وَالْخَارِجِيَّة وَبَث الْبَعْض مِنْهُم سَمَّوْمِه وَحِقْدِه عَلَى مَحَطَّات فَضَائِيَّة عَرَبِيَّة ، وَبِدِرَاسِة عَمِيْقَة لِهَذِه الْمَقَالَات وَجَدْنَا انَّهَا كَانَت سَطْحِيَّة فِي طَرَحَهَا تَنْقُصُهَا الْمَعْلُوْمَة الْصَّحِيْحَة وَالْمَعْرِفَة الْعَمِيقَة بِمَعْنَى الْعَشائِرِيّة لَفْظَا وَمَفْهُوْمِا وَمَضْمُونا .
ذَلِك ان الْعَشائِرِيّة نِظَام اجْتِمَاعِي مُؤَسَّسِي حدثْت بِدَاخِلِه مُتَغَيِّرَات كَثِيْرَة نتيحه تَفَاعُلَات مُتَعَدِّدَة و عَلَى مَدَار عَشَرَات الْقُرُوْن لِتَبْقَى مُؤَسَّسَة الْعَشِيرَة قَوِّيَّة، تَقُوْد الْمُجْتَمَعَات وَعَلَى مَدَار الحضارات الْمُتَعَاقِبَة.، لأنها بِبَسَاطَة هِي الأصل بِجُذُوْرِهَا الْضَّارِبَة عَمِيْقا فِي تَارِيْخ الأمة الْعَرَبِيَّة والإسلامية جَمْعَاء.
وَنَحْن نوْرِد هَذِه الْحَقِيقَة الثَّابِتَة تاريخيا نسلك مَنْهَجَا عَلِمَيِّا عَقْلَانِيّا فِي إثبات مَا أوردناه سَابِقَا وَلَن نَتَنَاوَل الموضوع بَسَطَحَيّة وَبِطَرِيْقَة مُبْتَذَلَة كَمَا فَعَل الْبَعْض.
بِدَايَّة لَابُد مِن التَّذْكِيْر أَن الَّلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى اخْتَار نَبِيَّه مُحَمَّد صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مِن بَيْن عَشَائِر الْعَرَبِيَّة (قُرَيْش) لَتَهْبِط آَخَر الرسالات الْسَّمَاوِيَّة عَلَى احَد أبناء الْعَشَائِر الْعَرَبِيَّة، وَلَم يَكُن هَذَا صُدْفَة فَحَاشَى لِلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى فَهُو الْعَلِيْم الخبير فعلم الْلَّه الْوَاسِع يَعْلَم أن هَذِه الْعَشَائِر هِي الأقدر عَلَى حَمْل الْرِّسَالَة الْسَّمَاوِيَّة وَنَشْرِهَا لِلْعَالَم اجْمَع لِمَا تَمْتَلِكُه مِن مُقَوِّمَات كَبِيْرَة وَمُوَروث خِصْب يُؤَهِّلُهَا لِذَلِك وَعِنْد تَتَّبِع مَنْهَج الْرَّسُوْل الْأَكْرَم مُحَمَّد ” صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم فِي تَعَامُلِه مَع الْنِّظَام الْعَشائِري آنذاك ، حَيْث عَمِل عَلَى إبقاء مُعْظَم مُقَوِّمَات الْعَشِيرَة بَل وَحَتَّى أَحْتَرِم شُيُوْخَهَا وَبعض قَوَانينهَا وإقرار كَثِيْر مِن مُعْتَقَدَاتِهِم وَالْعَمَل فِي نَفْس الْوَّقْت عَلَى تَهْذِيْبِهَا وَتَطْوِيْرِهَا نَحْو بِنَاء دَوْلَة الاسلامية الْجَدِيْدَة ،،
وكَان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشِيْر دَوْمَا إلى الْعَشِيرَة وَالَى عَشِيْرَتِه بِالذَّات وَيَفْتَخِر بِهَا وَكَان يَعْمَل عَلَى تَطْوِيْرِهَا وَتَغْيِيْرِهَا وَالِبَدا بِهَا ( وَأَنْذِر عَشِيْرَتَك الْأَقْرَبِيْن )،
وَمِن هُنَا نُلَاحِظ أن أساس نِظَام الْدَّوْلَة الإسلامية قَام عَلَى هيكلية عَشائِرِيّة مَدْعُومَة بِالْتَّعَالِيْم الْرَّبَّانِيَّة الْحَقَّة و رابِطَتين قَوِيَّتَيْن اجْتَمَعَا مَعَا فَصَنَعْت حَضَارَة وَقُوَّة لَم تَسْتَطِع أي قُوَّة مُجَارَاتِهَا وَهِي رَابُطَة الْدِّيْن وَرَابِطَة الْدَّم ، فَالرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم، بَدَا بِتِكِوين الْدَّوْلَة الإسلامية عَلَى هَاتَيْن الْرَّابِطَتَيْن وَحَتَّى فِي غَزَوَاتِه عَلَيْه الْسَّلَام كَان قَادَة الْجُنْد مِمَّن تَجْمَعُهُم رابطة الدم وَحَتَّى الْخُلَفَاء الْرَّاشِدِيْن رِضْوَان الّلَه عَلَيْهِم كَانُوْا مِن الْمُقَرَّبِيْن لِرَسُوْل الْلَّه بِرَابِطَة الْدَّم .
وَنَحْن نستقرأ الْمَجْد الَّذِي وَصَلَت إليه الْدَّوْلَة الإسلامية فِي جَمِيْع مَرَاحِلِهَا الَّذِي بَنَاه مُحَمَّد ” صَلَوَات الْلَّه عَلَيْه ” معتمدا مَبْدَأ الْتَّغْيِيْر وَمَجَارَاة ذَلِك مَع الْحِفْظ عَلَى الأسس الثابتة شَرْعا وَالْهَيكلّيّة الَايجَابِيّة لِنِظَام الْعَشِيرَة وهذا أتاح لِانْطِلَاق الطَّاقَات الْكَامِنَة لِلْعَشَائِر فأصبح هُنَاك الْقَادَة مِن أبنائها وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء وَاخَذُوا مَوْقِعُهُم فِي الْصُّفُوف الأولى لِلْدَّوْلَة الإسلامية جُنُبا إلى جَنْب مَع شُيُوْخ الْعَشَائِر وَالَّتِي تَقَلَّصَت سَلَّطْتَهُم وأصبحت رَمَزَيَّة لِلْحِفَاظ عَلَى الْهَيْكَلّة الْعَشائِرِيّة وَمِن هُنَا سَارَت الْعَشَائِر عَلَى الْأَصَالَة وَالْتَّغْيِيْر, وَقَبُوْل مَبْدَأ الْتَّطَوُّر والإذعان لِحَرَكَة الْزَّمَن بَل وَمُجَارَاتِهَامَع الِاعْتِرَاف أن هَذِه الْمَنْظُوْمَة كَانَت تَمُر بِمَرَاحِل مَد وَجُزُر وَضِعْف وَتُرَاجِعُ أحيانا ، لَكِنَّهَا بَقِيَت مَوْجُوْدَة أصيلة .
وَهَذِه الْحَقِيقَة هِي الَّتِي قَادَت عُقُوْلِنَا إلى الْيَقِين، وَمِن هُنَا نَجِيْب عَلَى تَسَاؤُلَات طُرِحَت كَثِيْرَا و
هِي هَل الْعَشائِرِيّة نِظَام اجْتِمَاعِي يَقُوْم عَلَى رَابُطَة الْدَّم فَقَط ؟؟أم أنها تَرْكِيْبَة مَدَنِيَّة ذَات طَابَع مُحَدَّد !!، وَهَل هِي مُؤَسَّسَة مِن مُؤَسَّسَات الْمُجْتَمَع الْمَدَنِي ؟؟أم هِي وِعَاء اكْبَر مِن ذَلِك وَيَذُوْب بداخلها مُؤَسَّسَات الْمُجْتَمَع الْمَدَنِي !!!
نَقُوُل بَل نُؤَكِّد وَمَن مِنْطَلَقَنَا الْعَشائِري أَنَّهَا تَرْكِيْبَة مَدَنِيَّة ذَات طَابَع وَاحِد أَو أَكْثَر ،وَتمثل حَجَر الأساس فِي هَيْكَلِيَّة الْمُجْتَمَع الْمَدَنِي الْحَدِيْث وَمَرّت بِمَرَاحِل عَدِيْدَة مِن التَّغَيُّرَات وَالْتَحَوُّلَات وَالْتَفَاعُلَات دَاخِلِهَا وَصِرَاعَات ايجَابِيّة َتَمَحُوِّرّت حَوْل مُحَارَبَة الْمَفَاهِيْم الْعَقْلِيَّة الْقَدِيْمَة الَّتِي سَادَت فِي الْجَاهِلِيَّة الأولى وَالَّتِي يَتَبَنَّاهَا بَعْض شِيُوْخ الْعَشَائِر وَبَعْض الْوُجَهَاء الْمَزْعُوْمَيْن ..مَدْعُوّمِيْن مِن حُّكَوْمَات مُتَعَاقِبَة بَيْن فَتْرَة وأخرى بإعطائهم دَوْر سُلْطَوي وإبعاد الْمُثَقَّفِيْن وَالْمُفَكِّرِيْن مِن أبناء الْعَشِيرَة لِتَبْقَى الْأَنْظِمَة الْعَشائِرِيّة ضَعِيْفَة وَغَيْر مَقْبُوْلَة مَدَنِيَّا وَلَكِن مُنْذ عَشَرَات السنوات التي مرت ،أصبحت الْغَلَبَة لِتَيَّار ظَهَر بِقُوَّة مِن بَعْض الْمُثَقَّفِيْن وَالْمُتَعَلِّمِيْن وَرِجَال أعمال وَمَعَهُم بَعْض شُيُوْخ الْعَشَائِر الأحرار دَاخِل هَذَا الْكَيَان الَّذِيْن كَان شِعَارُهُم الَّتَمَسُّك بِالْمَوْرُوث الْعَشائِري كهيكلية حَاضِنَة لَهَا وَالْحُفَّاظ عَلَى رَمَزَيَّتِهَا وَلَكِن مَع إدخال الْتَّغْيِيْر عَلَى مَنْظُوَمَتِهَا أي الْجَمْع بَيْن الْمَوْرُوْث وَالْحَدَاثَة وَبَيْن الأصالة وَالْتَّطَوُّر واحتفاظها فِي نَفْس الْوَّقْت عَلَى الْرَّكَائِز الْأَسَاسِيَّة لِلْعَشِيرَة ،فَالْعَشِيْرة بَاقِيَة كَمَا هِي أَصْلا وَلَكِنَّهَا مُهَذَّبَة بِقَبُوْل التَّغَيُّر الَّذِي يُنَاسِبُهَا فَقَط، وَبِذَلِك استطاعت الْعَشَائِر الأردنية أن تأخذ دَوْرَهَا الْحَقِيقِي وَبِذَلِك تَحَوَّلَت الْعَشَائِر الأردنية فِي هَذَا الْعَصْر إلى نُظُم اجتماعية مَدَنِيَّة عَشائِرِيّة وَاقِعِيَّة يَقْبَلُهَا الْمُجْتَمَع وَيَنْطَوِي تَحْت لِوَاءَهَا كَثِيْر مِن مُؤَسَّسَات الْمُجْتَمَع الْمَدَنِي وَبِشَكْل تِلْقَائِي عَفْوِي ، فَالْعَشِيْرة بِدَاخِلِهَا جَمْعِيَّات خَيْرِيَّة وأندية ثَقَافِيَّة وأندية رِيَاضَة وَصَنَادِيْق تَكَافُل وَمَجَالِس مُنْتَخَبَة لِتَنْظِيْم الانْتِخَابَات الْنِيَابِيَّة وَالبَلدِّيّة وحوارات جَادَّة بَيْن أبنائها وَمِن مُخْتَلِف الاتِّجَاهَات الْفِكْرِيَّة فَاسْتِطَاعَت أن تَكُوْن ا الْوِعَاء الْكَبِيْر الَّذِيْن يَسْتَوْعِب الْكُل وَتَقْدِيْم الأصلح وَمِن هُنَا بَدَأَت الْعَشَائِر بِالْظُّهُور بِقُوَّة دَاخِل مُؤَسَّسَات الْدَّوْلَة سَوَاء التشريعية أو الْتَّنْفِيْذِيَّة أو الْقَضَائِيَّة وَمَع إقرارنا أَن بَعْض الْعَشَائِر لَم تُصَل بَعْد إلى هَذَا الْمَنْهَج السَّلِيْم وَذَلِك بِسَبَب مُقَاوِمَة الْقِيَادَات الْتَّقْلِيدِيَّة مِن بَعْض أبناء الْشُّيُوخ وَوُجَهَاء الْعَشَائِر التقليدين لِهَذَا الْمَنْهَج لأنه يُؤَدِّي إلى تَّهَمِيَش دَوْرَهَم وَدَعَم الْحُكُوْمَات لأشخاص مِن دَاخِل الْعَشَائِر لإيصالها إلى الْمَجَالِس الْمُنْتَخَبَة إما بِالْتَّزْوِيْر أو بِدْعَمُهَا بِالْمَال السِّيَاسِي وإعطائه وَرَقَة الْتَّوْظِيْف،، لتوظيف أبناء الْعَشِيرَة عَن طَرِيْقِهَ فَقَط ،،لتضمن الحكومة نجاح أعوانها دائما، وَلَكِن مع ظهور بوادر ايجابيه لتوجهات الحكومة لِرَفْع الْدَّعْم عَنْهَم نطمح بوصول الأشخاص القديرين سياسيا وقانونيا من أبناء العشائر
نُعَلِّم أن هَذَا الْمَشْرُوْع لَم يَكْتَمِل فِي الْوَاقِع ويَحْتَاج إلى تَعَاوُن شِيُوْخ الْعَشَائِر الغَيُوْرِيْن عَلَى عَشَائِرِهِم وَالْمُفَكِّرِيْن وَالْمُثَقَّفِيْن مِن الْشُّجْعَان رِجَالْا ونساء الذين يَمْتَلِكُون الْجُرْأَة.. الْمُسْتَعِدِّيْن لِلْتَغَيُّر بِالتَّضْحِيَة بِمَنَافَعَهُم الْشَّخْصِيَّة وَالْعَمَل عَلَى خِدْمَة أَفْرَاد مُجْتَمَعُهُم وَوَطَنِهِم , وَلَن يَتَبَقْى إلا أَن نَسْتَكْمِل الْوَسْائِل الْمُنَاسَبَة وَتَرْسِيخِهَا بِشَكْل دَائِم وَمُوَثق لِتَكُوْن مُرْجِعَا لأبناء العشائر لتحقيق ذَلِك،، وَهَذَا الْمَشْرُوْع لَن يَنْجَح بِدُوْن تَأْيِيْد وَتَعَاوَن كُل الْرِّجَال وَالْنِّسَاء الْشُّجْعَان وَعَلَى كُل الْمُسْتَوَيَات!!