زاد الاردن الاخباري -
تتمتع الدول الناجحة والمتفوقة بوضوح سياستها الداخلية والخارجية، وحيث أن معظم السياسات الخارجية، الناجحة، هي تقريبا متشابهة نظريا، يصبح السؤال الأهم عن ماهية السياسة الداخلية التي تحكم بلد ما وكيف يمكن التعرف على هويتها الحقيقية وأبعادها ومدى ثباتها وأهدافها ووسائل تقييمها التي تتلائم مع أوضاع الدولة الداخلية من حيث عدد السكان والتركيبة الديموغرافية والأوضاع الإقتصادية وكذلك القيمة السياسية وموقعها ودورها وأهميتها، إضافة إلى قدرتها على معالجة مشاكلها الداخلية الأساسية كالفقر والبطالة، ومدى قدرتها على وضع سياسة إصلاح دائمة تتناغم مع التطور الكوني والتطور الداخلي.
حاولت أن أفهم سياسة الدولة الأردنية الداخلية بطريقة علمية، أي من النهاية إلى البداية، حسب أصول البحث العلمي، أي بقراءة النتائج ثم العودة إلى المفاهيم والنظريات ومطابقتها بالواقع، وتبين لي، من وجهة نظري، أنه ليس هناك أي شيء ثابت في السياسة الأردنية الداخلية، ويمكن بسهولة ملاحظة ذلك في موضوع الإصلاح مثلا، منذ ما قبل الربيع العربي، وخلاله، ثم في الفترة المتأخرة التي تلته، وأذكر أن الأردن كان يحاول إصلاح منظومته السياسية بخصوص قانون الإنتخاب، وكان يسعى، إبان تكليف حكومة "سمير زيد الرفاعي" أن يحظى بقانون عصري يعتمد القائمة النسبية ويحقق العدالة في الترشيح والإنتخاب لكل فئات وأطياف المجتمع الأردني، ولكن الأستاذ "الرفاعي"، تعجل بإعتماد قانون الصوت الواحد والذي جاء بمجلس ثقة 111 ، وفجأة بدل الأردن وجهة نظره وسعى إلى الحوار الوطني ليضع قانونا آخر، ثم ابتعد عن نتائج لجنة الحوار وصمم قانونا آخراً ليس له علاقة بالحوار الوطني، إبان حكومة "الخصاونة"، وبدون سابق إنذار جاء "الطراونة" وارسل قانونا مختلفا كليا، ثم وجدنا انفسنا وسط معارك إنتخابية تستثني عدد من فئات الشعب والأحزاب ثم جاء المجلس الحالي (!!!).
قانون الإنتخاب هو مقياس لكل ما يتعلق بالسياسة الداخلية الأردنية، سواء بالتعامل مع قضية الفقر أو البطالة أو الأوضاع الإقتصادية أو الإستثمار أو التعامل مع الأزمات المختلفة أو في النظر إلى معالجة مشاكل القطاع الصحي أو التعليمي أو الظواهر المجتمعية المختلفة كالعنف في الجامعات والعنف عموما أو الفساد ووسائل وآلية محاربته .. الخ، والذي يبدو بشكل عام أنها سياسة فزعة وليست سياسة ثابتة متأصلة عميقة واضحة مفهومة تحظى بدعم القيادة والحكومة والشعب في وقت واحد.
من ذلك يتبين، وحسب البحث العلمي، أن السياسة الأردنية الداخلية ليس لها هوية ولا يمكن التنبؤ بأبعادها الحقيقية وليس من الممكن قياس مدى ثباتها وأهدافها، مع أن الدولة الأردنية انطلقت على أرضية صلبة في الميثاق الوطني الأردني الأول عام 1928 ، ثم حاولت تجديده عام 1991 ومع أن الميثاق (الثاني) لم يحظ بالتفعيل مع أنه غطى بشكل عميق أبعاد السياسة الأردنية الداخلية، إلا أنه احتفظ بإحترام أردني واسع طيلة ثلاثة عقود ولم يتأثر، نظريا، بالأجندة الوطنية التي ظهرت عام 2005 ثم جرى تحديد مدة تنفيذها 2007-2017 ثم جرى تحديثها لغاية 2020 لتغطي (التنمية السياسية والمشاركة، التشريع والعدل، تعميق الاستثمار، الرفاه الاجتماعي، التعليم العالي والبحث العلمي، العمالة والتدريب المهني والخدمات المالية والإصلاح المالي الحكومي) إضافة إلى إطلاق غيرها من المبادرات والوثائق الوطنية مثل وثيقة (كلنا الاردن).
أعتقد جازما أن الحل الجذري يكمن في الإتفاق على وضع ميثاق أردني ثالث، حقيقي، يستند على الميثاق الأول والثاني، وينص في أول أولوياته على آلية ووسائل التنفيذ، ويلتزم به كل أردني، ودون إستثناء.