زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - أغلب التقدير أن رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد الله النسور يحتفظ بمقاصد تتجاوز مفردات الكلام عندما يعترف ولأول مرة بصفته الوظيفية بوجود ‘الفساد المالي’ في الدولة وإن كان يعتبره المشكلة الأبسط متهما في الوقت نفسه أوساطا حزبية وإعلامية ـ لم يحددها ـ بعدم النزاهة.
دقائق فقط فصلت بين تسلم العاهل الملك عبد الله الثاني لوثيقة النزاهة التي أعدتها لجنة شكلها النسور بأمر ملكي أمس الإثنين في العاصمة عمان وبين مؤتمر صحافي للنسور وجه خلاله عدة رسائل بعدة اتجاهات.
الرسالة الأولى كانت تقتص بوضوح من رؤساء الحكومات السابقين وتنقل اتهام الفساد إلى مساحة عابرة للحكومة أو للسلطة التنفيذية وتحدثت لأول مرة عن وجود فساد في الدولة وهي مفردة يراد منه الإشارة إلى أن الفساد الموجود عابر للحكومة نفسها ولا يقتصر على جهة دون أخرى.
لاحقا إستدرك الرجل وهو يشير الى أن الفساد الموجود ينطوي على مبالغة عند الحزبيين والإعلاميين وهو أبسط المشكلات التي تعاني منها البلاد وهي رسالة إضافية تشتت الإنتباه وظيفيا عن الرسالة الأولى.
قبل ذلك بدا واضحا أن حسابات الأردن الدبلوماسية والخارجية وتحديدا بعد الجلوس على المقعد غير الدائم في مجلس الأمن تتطلب تكثيف العمل ضد الفساد الداخلي أو على الأقل إجتراح وسائل وآليات منتجة أكثر في محاربته كما يقدر عضو البرلمان محمد حجوج وهو يتحدث عن سمعة سيئة للمؤسسات الرسمية بسبب ضعف مصداقية خطاب مكافحة الفساد.
عدة مؤتمرات وملتقيات ناقشت مسألة الفساد الإداري والمالي التي بدأت تؤثر على توازن وعلاقات الدولة بالدول الأخرى لكن لجنة النزاهة التي نظم حفلها الرئيس ظهر أمس في عمان كانت المحطة الأخيرة التي تقف عليها الدولة الأردنية لتبديد الإنطباعات.
في خطابه بالمناسبة قدم الملك شخصيا دعما كبيرا لأعضاء وبرنامج لجنة النزاهة عندما طلب من السلطات الثلاث الإلتزام بالوثيقة التي نتجت عن الإجتماعات على أساس خارطة طريق جديدة تحت عنوان مقاومة الفساد في البلاد.
الملك طلب من جميع الأطراف تبني ميثاق النزاهة المراد له أن يكون آخر الوثائق الإصلاحية المعنية بمسألة الشفافية ومكافحة الفساد وفي الفترة الزمنية المحددة.
كما تحدث الخطاب الملكي بالمناسبة عن التحول الديمقراطي، الذي هدفه الأساس تمكين المواطن من المشاركة الفعلية في صناعة القرار وهو الشعار الذي تتبناه وثيقة أخرى قيد النفاذ باسم المبادرة البرلمانية التي تتجه نحو وضع قواعد عمل جديدة في الجانب الإصلاحي لصالح التعاون بين السلطتين كما أوضح رئيس المبادرة النائب الدكتور مصطفى حمارنة وهو يتحدث لـ’القدس العربي’ عن تعزيز المشاركة والحوار وإصلاح قانون الإنتخاب والتنمية السياسية.
وثيقتا المبادرة البرلمانية ولجنة النزاهة ستنضمان إلى وثائق أخرى معنية بتسويق الأردن دبلوماسيا ودوليا في إطار خطة ‘الإصلاح المتدرج’ بخطوات واثقة لكنها عميقة كما ألمح رئيس الوزراء عندما التقته ‘القدس العربي’ مشيرا إلى أن الإصلاح العميق والجذري هو المنشود قبل أي اعتبارات أخرى.
يعني ذلك عمليا أن الإصلاح الإداري سيتصدر في هذه المرحلة تفاعلا مع ملاحظات السفراء السلبية على أداء الحكومة فيما يخص مكافحة الفساد بصنفيه المالي والإداري مع تخفيض سقف التوقع عندما يتعلق الأمر بالإصلاح السياسي حيث وجدت مؤسسة القرار الأردنية أن القوى النافذة على صعيد الدعم الإقتصادي يتطلب التعامل معها استحقاقات ‘إدارية’ فيما يمكن المماطلة قليلا بالإستحقاقات الإصلاحية السياسية التي تتوفر الذرائع لتأجيلها قدر الإمكان.
هذه المعادلة صيغت من قبل قوى محافظة ترتاب بالإصلاح السياسي وتحذر من كلفته كما يقدر رئيس مجلس الأعيان الأسبق طاهر المصري وإن كان الظرف الإقليمي الأمني وتحديدا في الجوار يتطلب الهدوء وتجنب القفزات المبالغ فيها كما يقدر النسور.
يحصل ذلك فيما تربط المفردة الملكية بوضوح بين الإطارين السياسي والإداري بدليل أن الملك وفي خطابه بمناسبة الأحد تحدث عن وثيقة النزاهة بالتوازي مع هدفها الأعمق وهو مشاركة أكثر للناس في صناعة القرار وتنمية سياسية شاملة.
القدس العربي