رأيتُ فيما يرى النائم، عرسا وطنيا كبيرا، شارك فيه أبناء الشعب، تلبية لدعوة المعلمين من اجل اعتبار يوم30من أيار يوما وطنيا، عنوانه نماء وانتماء، لا يوم ضرب امتحان الثانوية العامة بمقتل.
تكريما لهذا،ومن باب المعاملة بالمثل قامت الحكومة بتلبية رغباته المعلمين في إنشاء منظومة قانونية تسير شؤونهم وفق قوانين حافظة لحقوقهم،كثرت الأفراح والليالي الملاح. تحولت الفرحة إلى أفراح،فرحة عيد الاستقلال ويوم الجيش والثورة العربية الكبرى،وفرحة إخواننا المعلمين في إنشاء نقابة او اتحاد لهم،وفرحة أبناءنا الطلبة الذين تنفسوا الصعداء بعدما حلت مشكل مراقبة وتصحيح امتحان الثانوية العامة.
لكن،عندما أفقت في الصباح،وجدت أن الأمور لم تراوح مكانها،بل هي كما ماء راكد أسن،اجتماعات تتلو اجتماعات،بيانات تتلو بيانات،وعود تتلو وعود،لقاءات مع كافة الأطراف الحكومية تتلو لقاءات،وتهديدات تتلو تهديدات،من قبل البعض الذين يتهمون بعدم الوطنية كل من يكتب او يعبر عن رائية في الموضوع بما لا يتوافق وأهوائهم،انطلاقا من حرصهم هم على\" امن البلد وامن أبناءنا الطلبة\" كما يقول احدهم،لكن على الرغم من هذا لابد من القول ان النتيجة واحدة ومنذ بداية الحراك هي:لا حل،لا توافق،لا إجماع،لا ترابط،لا حوار.بل مشاكل،ونفسيات باحثه عن مكان لها بعدما فاتهم قطار العمر والتجربة.
********************************************************
أعجب من إخواننا المعلمين الذين يطلبون محاورة الحكومة،ويرفضون محاورة أنفسهم أولا،ومحاورة زملائهم في اللجان التي انشقت عن إجماع الكرك ثانيا،باعتبارها حجر أساس ومرجعيه في خطى السير نحو المطالبة بحقوقهم،وفق ثوابت واضحة لا تحتمل التفسير او التأويل،بناء على نظرة الآخرين الذين يطالبون بذات الحقوق لكنهم يرفضون الجلوس لحوار أقرانهم.ومن ثم محاورة الحكومة التي رمت الكرة في ملعبهم عندما كانوا يشكلون جسدا واحد.
المتابع يجد ان الاجتماعات مع اللجنة الحكومية،لا تكن مع تيار واحد،وإنما تياران،الأول يمثله مصطفى الرواشدة ويسمى اللجنة الوطنية العليا لإحياء نقابة المعلمين،هذه اللجنة ممثلة بـ42 مديرية،نتج عنها انتخاب 13 أستاذاً لتمثيل المعلمين في لقاءات الحكومية،هذه اللجنة جاءت نتيجة لقاء الطفيلة،التيار ذو بعد وطني لم تخترقه بعد الفردية والشخصانية والبحث عن المناصب،يمثل غالبية الجسد التعليمي الأردني انطلاقاً من قاعدة صلبه،تقوم أساسا على رفض التنازل عن حقوق المنقوصة لهم،ويطالب بتصويب أوضاعهم،أسوة بغيرهم.
التيار الثاني يمثل 7محافظات،ذو طرح يوصف بالتنازلي ألتفريطي،لا يلبي طموحات المعلمين،باعتباره على استعداد للتخلي عن الثوابت المتفق عليها،هذا ظهر جليا بعد الانقلاب الكارثي على إجماع الكرك. يرضى بأي شي يحقق مطالب المنضوين تحت لوائه من معلمين حتى لو كان على حساب السواد الأعظم من المعلمين، قادته مجموعة أشخاص يتحكمون ببعضهم البعض باعتبارهم أتباع،لا باعتبار شركاء في القضية،هذا بحد ذاته مصيبة ومقتل سوف يؤدي في نهاية الامر الى تشتيت جهودهم.
********************************************************
في عين السياق،المتابع يجد حجة التيار الوطني أكثر واكبر عقلانية وتنظيماً،هذا بين وواضح من الاجتماعات التي تقام،حيث يحضرها ممثلين عن كافة مديريات المملكة،مثلا اجتماع النقابات ضم أكثر من 200 معلم،في حين ضم اجتماع الطفيلة ممثلين عن 42 مديرية تربوية،الى جانب عدد كبير من معلمي المحافظة.
لكن الاجتماعات اللجنة الأخرى والتي تتم في غالبية الاحيين في نادي المعلمين،لا تضم أكثر من 20 أستاذاً،غالبيتهم من عمان واربد.
لو نظرنا الى الطروح التي يطالب بها الطرفان،لتم تقديم طرح اللجنة الوطنية العليا،على للجنة الأردن،لا بسبب الكثرة والعدد،بل بسبب قوة القاعدة المنطقية الوحدوية التي ينطلقون منها،فالذين يمثلونها معلمين تقودهم قضية،هم أصحاب شخصيات وكاريزما جد رائعة في الطرح والحوار والاحتواء.
********************************************************
الحكومة بذكاء مطلق،باتت المستفيدة الوحيدة من هذا التشتت الذي يصيب المعلمين،فهي تجالس كلا اللجنتان،ولا تحابي احدهما على حساب الأخرى،بل نظرتها موضوعية في هذه المشكل،هذه خطوة ايجابية تحسب لها لا عليها، كونها تعتبر تلبية مطالب فئات معينة على حساب الأغلبية،يقود بلا شك الى تطور المشكل لا حلها.
المطلوب بعدما تم رفض الحوار من قبل اللجنتان،عادة النظر في خطى سيرهم،للوصول إلى نتيجة ايجابية،خاصة وكلاهما يعلم ان الحكومة لن تعطي إي منهما امتيازات على حساب الأخر.كونها - إي الحكومة - في النهاية تفضل الاستماع إلى الذي يمثل الأغلبية.
كلاهما طبعا جانبا الصواب،تناسوا ان الحكومة عندما جلست اليهم في المركز الثقافي الملكي وبحضور الدكتور رجائي المعشر نائب رئيس الوزراء،جلست الى لجنة واحدة تمثل كافة المعلمين لا اثنتان،وتم الطلب من لجنه وحدة ان تتحدث إليها - تحدث باسمها الحكيم الأستاذ مصطفى الرواشدة - لا اثنتان،.
الانقلاب بحد ذاته شكل منعطفا خطيراً وانحداراً استفزازي نحو تشتيت مطالب المعلمين،الحكومة بذاتها أصيبت بملل من هذا الذي أصاب اللجنة العليا،كونه يقود الى إضاعة الوقت.
من هنا نتوجه الى الحكومة ان تعيد النظر في جلوسها الى التياران هما أشبه بجزر منفصلة لا جسر رابط بينها،لذا من الأهمية بمكان،ان تعيد النظر في هذا،من خلال رفضها الجلوس الى أيهما،من ثم إجبارهما للجلوس والحوار مع بعضهما البعض،قبل الجلوس إلى اليها، هذه الخطوة ذات بعد تنظيمي بغية توحيد الصفوف والمطالب،سيما والجميع يعلم ان الحكومة لديها من الملفات الشائكة ما يكفيها.
من هنا نتوجه مره اخرى الى الحكيم مصطفى الرواشدة،رئيس اللجنة الوطنية العليا،وذلك لطرح مبادرة لتوحيد الصفوف، بهدف توحيد الجهود للوصول الى نتائج واقعية.والى إخواننا في لجنة الأردن للجلوس الى إخوانهم والحوار معهم،ذلك حتى لا تقع الفأس في الرأس كما يقول المثل.
********************************************************
وليكن يوم 30ايار بمثابة عرس وطني قولا و فعل، يقوده المعلمين الأفاضل،فانتم كنتم ومازلتم وستبقون سواعد بناء في وطننا الغالي.
في النهاية لابد من كلمة مباشرة : ليكن معلوما إننا نسير وفق التيار الذي تدعون وتبشرون به بكل ما أوتينا من عزم و قوه التيار هذا هو من سيقود حراك إخواننا المعلمين في كل مكان. نتمنى ان يأخذ هذا الطرح بشي من الجدية من قبل كافة اللجان.
نتمنى لكم كل التوفيق فالهدف واحد حتى وان تقاطعت الدروب،ومازلنا الى اليوم نصر على ما تم طرحه في الكرك وتم تأكيده في مجمع النقابات ،والتففنا حوله في الطفيلة، فالوطن يجمعنا.
إضافة الى هذا لابد من القول : الجميع يحمي الوطن وامن الوطن برموش العيون والقلوب،ومن العار كل العار ان يتم وسم من يسير وفق تيار أخر مخالف لتياره من خلال تجريده من وطنيته،ويزج به في خانه الأعداء. الوطنية ليست مجرد كلمات،بل هي أقوال وأفعال وتجارب،الوطنية،ليست في الانشقاق عن الصف الواحد،بل في الاتقاء على القواسم المشتركة والمصلحة والهدف الأسمى،الوطنية،ليست تقربا من الشخوص- كما يدعي البعض – بل هي وضوح وشمس مشرقة،لا كما أفعى تبدل ثوبها كلما حانت لها الفرصة،الوطنية،ليست بحثا عن الشهرة،بل هي غرسا يانعا لا يحابي فرد على حساب فرد،الوطنية هي قضية أسمى من ان نختزلها بالألفاظ نابية لا تعمل معنى او مبنى،الوطنية قضية تقودنا في تيارها لا في تيار شخوص لا يحملون سوء هموم ذاتية.هذا بطبيعة الحال أمر نتيجة أعمالهم، ما ظلمناهم ولكن كانوا لأنفسهم ظالمون .
في الختام لابد من القول ان الأردني هو من يقول الحق كل الحق،ولا يسير في درب الضباع التي لا تظهر إلا في الليالي الظلماء التي تتقن فنون الجوقات والصرخات والنباح و\"الكيومرثية\"،لا يتقنون الا سياسات التخريب والاعتصمات والمظاهرات في زمن لا يستمع فيه الا الى لغة الحوار باعتبارها منطلق للعمل والبناء.....الله يرحمنا برحمته...... وسلام على أردننا الهاشمي ورحمته من الله وبركاته.
خالد عياصرة
Khaledayasrh.2000@yahoo.com