لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية التعديلات التي تضمنها قانون الضمان الاجتماعي الذي أقرّه مجلس الأمة بالأمس، وما انطوت عليه من نقلة نوعية مهمة وذات قيمة في مسيرة الضمان الاجتماعي، فعبر أكثر من خمس سنوات من الحوار والجدل والنقاشات المستفيضة للقانون بين مختلف الأوساط المجتمعية، حتى قبل أن يصدر القانون المؤقت رقم 7 لسنة 2010، ها هو ثاني قانون ضمان اجتماعي دائم يوشك على الصدور منذ خمسة وثلاثين عاماً، ومن المؤمّل أن يضفي هذا القانون الدائم استقراراً تشريعياً على واحد من أهم التشريعات الشعبية التي تهم كل أسرة أردنية، فالحجم التأميني الإنساني الذي تغطيه مؤسسة الضمان الاجتماعي حالياً بشكل مباشر يناهز المليون وثلاثمائة ألف إنسان ما بين مشترك ومتقاعد ووريث مستحق، ويتنامى هذا الحجم ويكبر يوماً بعد يوم، الأمر الذي يعطي لقانون الضمان الاجتماعي الأهمية الكبرى التي يستحقها، كواحد من أهم إنجازات الدولة الأردنية؛ نظراً لما يشكّله من ركيزة أساسية للحماية الاجتماعية للمواطن.
خلال أيام عاصفة "إليكسا" وقد كنت في أكثر من مناسبة عزاء لأصدقاء وجيران، ودار حديث عن الضمان الاجتماعي، قال لي أحدهم، وهو متقاعد ضمان: ( نحمد الله تعالى أن ثمّة ضمان اجتماعي لدينا، فقد كان التقاعد حكراً على موظفي الحكومة، أما الآن فإن كل منْ يعمل لديه الفرصة للحصول على راتب تقاعد من الضمان...) قلت: الحمد لله، وهي فرصة لكل أردني ولكل عامل على أرض المملكة للشعور بالاستقرار والطمأنينة، ومن ثم التفاني بالعمل والإخلاص فيه، لأن الضمان سيُنصفه أخيراً، ولن يخرج من عمله دون الحصول على دخل دائم من الضمان؛ هو راتبه التقاعدي، وإذا كان لدينا الآن أكثر من (151) ألف متقاعد ضمان اجتماعي، فسيزداد هذا العدد بانضمام آلاف أخرى من المتقاعدين، وسيشعر كل هؤلاء بالنعمة والأمن والطمأنينة، فمهما كان راتب التقاعد متواضعاً فإنه خير من لا شيء، فقليل دائم خير من كثير منقطع، مع الإشارة إلى كثرة ما نسمعه من متقاعدي صندوق التقاعد المدني وممن لا زالوا على نظام التقاعد المدني من قُدامى الموظفين من رغبة في التحوّل إلى تقاعد الضمان، كون معادلة احتساب الراتب أفضل، وأن هذه المعادلة تأخذ بالاعتبار الراتب الإجمالي وليس الأساسي، وهو ما ينعكس بالطبع على مقدار الراتب التقاعدي عند التقاعد.
الضمان الاجتماعي في ظل قانون دائم وشيك الصدور، وتم التوافق على الغالبية العظمى من بنوده، سوف يشكّل قفزة اجتماعية واقتصادية مهمة في الدولة، فعلى صعيد الحماية الاجتماعية، سوف تمتد مظلة الحماية لتشمل مختلف شرائح المجتمع، وسنشهد ضماناً اجتماعياً لكل مواطن، كما سنشهد تراجعاً في ظاهرة التهرب من الشمول بالضمان، أو ما نطلق عليها "ظاهرة التهرب التأميني"، التي لا تزال تؤثر سلباً على الحماية والتنمية، وعلى قدرة مؤسسة الضمان على صون حق العامل وتمكينه من الاستفادة من مزايا الضمان الاجتماعي، كما أنها تُخلّ بمدأ العدالة في الحقوق، سنشهد تراجعاً في هذه الظاهرة؛ نظراً للضوابط التي تضمنها هذا القانون، كما سنشهد استقراراً في سوق العمل من ناحية استعداد الأفراد العاملين على الاستمرار في السوق دون خوف من تغيّر تشريعي قريب على قانون الضمان، إضافة إلى وضوح الشريحة المستثناة من القانون، فتستقر لديها الصورة ولن تُفكّر بالخروج من سوق العمل هروباً من أثر قانوني قد ينتقص من حقها، كذلك سيكون هناك تريّث من قبل كل منْ يفكّر في التقاعد المبكّر دون مبرِّر، لأن قيمة الراتب التقاعدي تتناسب طردياً مع طول مدة الاشتراك، ولأن القانون لن يكون محفِّزاً على الخروج المبكر من سوق العمل، إضافة إلى كل ذلك، فإن القانون الجديد سوف يعمل على تعزيز مبدأ الحماية بصورة ملموسة، ويدعم ديمومة الضمان، وهو في النهاية ما يحقق إسهاماً مهماً في التنمية المستدامة عبر إتاحة المجال للأجيال الحالية للاستفادة من مزايا الضمان دون الإخلال بحق الأجيال القادمة من الاستفادة ذاتها.
والنقطة الأهم في القانون الوشيك هو أننا سنقترب من الوصول إلى ما يمكن تسميته في فكر وأدبيات وفلسفة الضمان الاجتماعي بالضمان الديناميكي "الحيوي" (Dynamic Social Security)، الذي يعني أن يكون لدينا ضمان اجتماعي مستدام مالياً واجتماعياً وسياسياً(Sustainable)، وضمان متاح للجميع(Available to all)، وضمان كفؤ وفعّال(Effective) يحقق الملاءمة من خلال إدارته بحاكمية وحصافة، وضمان استشرافي ووقائي(Preventive) قادر على التكيّف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتنبؤ بالمشكلات والأزمات ودرئها قبل حدوثها.
سواء اختلفنا مع بعض التعديلات التي تضمنها القانون أو اتفقنا عليها ولن أدخل في تفاصيل المزايا العديدة التي تضمنها هذا القانون الآن، لأن ذلك يطول، فإنّ الأمر لا يغير من أن القانون كان توافقياً بنسبة تزيد على التسعين بالمائة، وأنه إنجاز وطني مهم، وكان ثمرة جهد مشترك من أصحاب العمل والعمال ومؤسسة الضمان والخبراء، ولن ننسى أن نشير إلى الجهد الواضح الذي بذلته اللجان المعنية في مجلس الأمة، وعلى وجه الخصوص لجنة العمل والتنمية الاجتماعية النيابية.