تسعة عشر نورساً يحلقون الآن فوق البحر, نوارس أردنية ترافق فيلقا من النوارس يناهز عددها الستمائة, تسعة عشر فرداً من هذا الوطن, نقابياً أصيلاً ناطقاً رسمياً عن ضمير بضعة ملايين نسمة هم سكان الأردن, عجزت سفن شريان الحياة عن حملنا جميعاً, فأرسلنا واردنا التسعة عشر كوكباً ليخطوا خطاً ويمهدوا سبيلاً تعبر فوقه إمدادات الكرامة والنخوة العربية ( والعالمية ) إلى غزة النصر وقاهرة الحصار.
تسعة عشر عاشقاً للعزة والفخار, غادروا بكل تواضع وتجرد إلى حيث اصطفت السفن على شواطئ آل عثمان, لم يعلم عن مغادرتهم إلا ملايين الأردنيين من الأغلبية الصامتة, أما الرسمييون - الذين علمونا أنهم يعلمون كل شيء - فلم يشاءوا هذه المرة أن ينتشر خبر أنهم يدعمون القافلة حتى تكون مفاجأة لنا.
كان لي الشرف – وما زال – بمعرفة بعض هؤلاء النوارس, مهندس زراعي على شاكلتي, سافرت معه كثيراً وصحبته طويلاً, فما خبرته إلا شامخاً كالجبل, أسدا في الملمات, صاحب نخوة وهبوب ريح, شديد التواضع. هو الآن نورس في ملك الله , وكونه في مياه إقليمية تحته ماء وفوقه سماء, فلا أجد ضيراً في مدحه والثناء عليه والدعاء له, ففتنة المديح له الآن ليست بفتنة، مقارنة مع فتنة مواجهة العدو وتحدي الصلف.
أخي محمود, البحر من حولكم والسماء من فوقكم والماء من تحتكم, سيروا ... طيروا.... اسبحوا, لكن لا تنظروا إلا لغزة, أكاد أراها بين أعينكم. قبل سفرك كنت في ضيافتي, وهمس في أذنك أحد الحضور همساً ثم رفع صوته ظاناً أنك لم تسمعه: أبو زياد, إن كنت متردداً في الذهاب إلى غزة فدعني أذهب مكانك, لم يلتفت له بل أشعره أنه لو صحت بذلك صياحاً ما أعطيتها لك. أن تتوزع الغنيمة والفوز والسلام على غزة على تسعة عشر فهذه والله نعم الغنيمة.
تسير السفينة وتصنع خلفها قباب من الموج لا يراها أحد في السفن العشرة, فكلهم يقف في مقدمة السفينة, كلهم نوارس أبطال, يتسابقون أيهم يلمح غزة أولاً, حتى لو تلقَّوها في الصدر أو في قاع البحر.
أبيت أن تبقى في دارك وتتمنى – مثلنا – وتقول : ليتهم قبلوني رقعة في شراع السفينة أو مسماراً في المرساة التي ستعانق رمال شواطئ غزة. بل امتشقت قرار نفسك وانطلقت مع النوارس التسعة عشر إلى البحر, وستعود مع النوارس إن شاء الله , وستفتح الأجواء لألاف وملايين النوارس, ويبقى الألق للكواكب الأولى العابرة والسبق للرواد.
سأبقى ملتصقاً بالمذياع, وأنتظرك وأنت تقول: أنا المجاهد محمود زياد أبو غنيمة, أهدي سلامي إلى صديق الطفولة جمال راتب وكل نورس يعرفني في المملكة الأردنية الهاشمية.
م. جمال راتب