زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - يدشن طاقم الديوان الملكي الأردني بقيادة الدكتور فايز الطراونة مرحلة في غاية التعقيد والارباك، وهو يلمح على هامش الجدل حول مشروع كيري للسلام والتسوية لقرب جلوس الأردن على طاولة المفاوضات النهائية كاستحقاق مرتقب يثير الجدل مبكرا، حتى قبل ولادته على أرض الواقع.
وزير الاتصال والإعلام الأردني الدكتور محمد مومني سبق ان تحدث لـ’القدس العربي’ عن وجود بلاده في ‘غرفة’ المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون الجلوس لطاولة الفرقاء حرصا على استقلالية المفاوض الفلسطيني وإسنادا له.
ما يستشف من مناقشات مرجعية جمعت الطراونة بنخبة من رؤساء التحرير وكتاب الصحف المحلية مساء السبت هو أن غرفة المفاوضات تضيق قليلا لكي تتسع للمراقب الأردني الذي يتهيأ بوضوح للجلوس على الطاولة.
وما قاله الشهر الماضي لـ’القدس العربي’ رئيس الوزراء عبدالله النسور أشار بدون لبس إلى أن عمان بصورة تفاصيل العملية التفاوضية، فيما تقدم طاقم القصر الملكي مساء السبت الماضي خطوة للأمام وهو يقر بأن ما يعرفه الإسرائيلي والفلسطيني في الغرف المغلقة مع الوزير الأمريكي جون كيري يعرفه تماما الأردن.
لمثل هذا الكلام الذي قيل على هامش جلسة للصحافيين قادها الطراونة نفسه سبب بالتأكيد فكرته السياسية والإعلامية ببساطة تمهيد الرأي العام للتحول المثير الذي قد تفرضه بصمات وتفصيلات خطة كيري، التي يرى الدبلوماسي والمؤرخ الفلسطيني البارز الدكتور ربحي حلوم أنها خطيرة على الأردن وفلسطين وليست سوى عملية تصفية متخاذلة للقضية الفلسطينية وقفز على الحقوق التاريخية.
الطراونة مثلا يؤشر على تلمسه الشخصي للحاجة إلى مبرر صلب يقنع الرأي العام الأردني قبل النخبة الفلسطينية بأسباب ومسوغات الجلوس الأردني الوشيك على طاولة كيري.
هذا المبرر متاح الأن وببساطة وهو المتعلق حصريا بملف اللاجئين باعتبار ‘حق العودة’ هو المنطلق الأساسي لأي تسوية للصراع أو للقضية كما يوضح سياسي مخضرم وغير متفائل بحل سياسي منصف من وزن طاهر المصري.
فكرة المرجعيات الأردنية مباشرة وعبر عنها الطراونة عندما وصف نحو مليوني لاجىء فلسطيني في الأردن بأنهم ‘مواطنون أردنيون’ وبالتالي دولتهم ستتولى إدارة مصالحهم الأساسية فيما يتعلق بالعودة والتعويض، وهو الملف الذي سيجلس المفاوض الأردني على الطاولة وفي أقوى المواقع.
لافت جدا هنا حصريا بأن سياسيا محافظا من وزن الطراونة يستطيع ‘أردنة’ كتلة اللاجئين الضخمة الموجودة في عمق الديمغرافيا الوطنية عندما يتعلق الأمر بأغراض تسويق مشروع كيري، الذي لا ينص إطلاقا حسب تقييم الدكتور حلوم على أي من أشكال حق العودة الحقيقية دون أن يوازي ذلك في المفاصل الداخلية الأردنية حماس مماثل لأي حق سياسي داخل الأردن للاجئين أنفسهم.
معنى ذلك أن اللاجئين في الأردن سيتحولون إلى ‘أردنيين’ حتى ترعى حكومتهم حقوقهم المغتصبة من الصديق الإسرائيلي لكنهم ليسوا كذلك في الواقع العملي في عمق المعادلة الأردنية.
هذه الإزدواجية ملموسة جدا في خطاب المسؤولين الأردنيين وستعيق تقدم ونمو اي مشروع أردني للتفاعل إيجابيا مع اتجاهات السلام العاصفة التي يحاول كيري فرضها.
وهي إزدواجية لم تستعد لها اجهزة الدولة الأردنية جيدا وان كانت محور النقاش اليوم وسط تفاعل موجة الخوف الوطنية الأردنية والوطنية الفلسطينية من بوصلة المشروع الأمريكي، فالدور الأردني برأي كثيرين سيغلب عليه الطابع الأمني حتى وان حاول بعض البيروقراطيين المحليين إلباسه رداء السياسة والكلام العاطفي عن رعاية حقوق ‘الشعب الأردني’.
جزء من خطورة التمثيل الأردني لحقوق اللاجئين الفلسطينيين انه سينتهي بإقرار حقوق سياسية لهم في الأردن ما دامت العودة الحقيقية مستحيلة، على حد تعبير السياسي البارز عدنان أبو عودة وما دام التوطين مقرا في البند الثامن لاتفاقية وادي عربة التي كان الطراونة نفسه من مهندسيها، على حد تعبير الصحافي المتابع محمد الخطايبة.
بكل الأحوال يفترض بعض الهواة في إدارة السياسة الأردنية بإمكانية العبث بهذا الملف الحساس والخطير بإجماع المراقبين عبر لعبة سياسية تبدل الأدوار وتجعل الشارع الفلسطيني في بلد كالأردن ليس أكثر من أداة في يدي متفاوض ما أطال الجلوس إلى مائدة كيري وسط معادلة تحرم اللاجئين من كل حقوق الكون السياسية في الأردن وفلسطين معا وتتفاوض باسمهم بنفس الوقت وبدون التشاور معهم عندما يتعلق الأمر بالمال والتنازل عن حق العودة.
بعيدا عن هذا الاعتبار يعرض مسؤولون بارزون مبررات اخرى للجلوس الأردني المفترض على طاولة التفاوض، وهو العامل المتعلق بالحدود وأمنها، فعمان مصرة تماما على أنها لن تقبل بأي مساس بحدودها تحت ضغط التفاوض، ولن تقبل بدوريات ‘غير أردنية’ بمحاذاة الأرض الأردنية، الامر الذي لا يمكن تجاهله إسرائيليا وأمريكيا وفلسطينيا.
القدس العربي