الأبحاث الأكاديمية التي تقدم من قبل أعضاء هيئة التدريس في جامعتنا ، هي أحد أهم النشاطات اللامنهجية في عمل الأستاذ الجامعي داخل الجامعة ، وهي وسيلة أساسية تمكنه من مواكبة التطورات الحديثة التي تطرأ على تخصصه العلمي ، وتوسيع سعة الإطلاع وربط التطبيقات العملية مع الإطار النظري للمادة العلمية ، إضافة إلى أنها تعتبر وسيلة مهمة للترقيات العلمية الأكاديمية داخل الجامعة ، حيث تخوله هذه الترقية بالإشراف على طلبة الدراسات العليا والمشاركة في برامج هذه الدراسات أيضاً . وأنا أعمل في مجال البحث العلمي وحتى في تحكيم الأبحاث يصادفني الكثير من المجلات العلمية التي ترغب بالحصول على نتاج الباحثين الأكاديميين بهدف نشره ، حيث ترتبط أهمية هذا الناتج العلمي وجزالته بالمجلة العلمية التي ينشر فيها ، كون أن هذه المجلة إلى حد كبير تعكس مستوى التطور العلمي في الجامعة الأم وعلى مستوى الدولة أيضاً ومستوى أعضاء هيئة التدريس فيها . فلما لا وأنا أجد أنه في بعض الدول العربية الشقيقة مجلات علمية لازالت تتقاضى عشرات الدنانير من الباحثين الجامعيين لنشر أبحاثهم العلمية فيها ، دون أن تنظر إلى مستوى صلابة و آصالة وأهمية هذا البحث ، لأن الأهم منه هو المبلغ المالي المدفوع ، وكأنه إعلان مدفوع الأجر في صحيفة أو في مجلة أزياء . وعند استعراض آليات تحيكم الأبحاث في تلك المجلات أو حتى أسلوب تقديم النتاج العلمي المنشور بعد التحكيم ، تجده رجعي ومتخلف جداً ولا يواكب مستجدات العصر ووسائل الاتصالات المتاحة ، ويفتقد إلى المصداقية العلمية ، مع العلم بأن هناك الكثير من الخيارات الإلكترونية المتاحة لتحسين جودة الاتصال والتفاعل مع الباحثين ، وتحسين أسلوب المخرجات العلمية وتقديمها بصورة تتناسب مع أهمية البحث العلمي في بلادنا . على المستوى الآخر هناك الكثير من الجامعات العربية التي تقدم مجلات علمية قوية وحصيفة في أبحاثها ، ولا يقبل بحث أي مشارك إذا لم يحقق المعايير العالية المستوى في موضوع البحث وأسلوبه ومنهجيته العلمية ، والأبحاث المرفوضة أو المقبولة لا تخضع لاعتبارات العلاقة المادية أو العلاقة الشخصية ، وكلما كان النتاج العلمي جزل وقوي ، امتلك الباحث فرصة عالية ليحظى بقبول النشر ، إضافة إلى توفر المنهجيات العالمية التي تتبعها هذه المجلات في علاقاتها مع الباحثين سواء أثناء التحكيم أو ما بعد النشر ، أو حتى في قضايا المراسلات العادية . نحن في الأردن بحاجة إلى فرز المجلات العلمية وتصنيفها وعدم القبول بتلك الهابطة في المحتوى والمضمون وفي المواضيع التي تتطرق لها ، أو حتى رفض الاعتراف بالمجلات التي تتقاضى مبالغ مالية لقاء النشر فيها ، وعدم الاكتفاء فقط بكونها تحمل عبارة " علمية محكمة " لأن التحكيم قد يكون وهمي مقابل الأجر المدفوع للنشر . إن هذا الموضوع لحساسيته وما يرتبط به لاحقاً من نتائج على مستوى الجامعة وأعضاء هيئة التدريس ، وعلى طلبة الدراسات العليا تستوجب جعله جزء أساسي من منظومة الترقيات الأكاديمية وضمن إصلاح شؤون البحث العلمي داخل الجامعة وكلياتها ، والدولة الضعيفة في مستواها العلمي أو الأكاديمي فإن نتاجها العلمي سيكون ضعيف أيضاً .