لا أعلم من أين زُرعت الفكرة في عقولنا أن تركيا عدوة لنا ؟, ومن هم الذين كانوا وراء تلك النظرة السوداوية التي ترتسم على وجوهنا كلما أردنا الحديث عن الأتراك وعن فترة الخلافة العثمانية ؟, فإلى عهد قريب جدا , كنا نربط العثمانيين والأتراك بأسوأ الذكريات , وحتى عندما بدأنا نصحوا من هذه الغُمامة الـ لا منطقية , إكتشفنا أن كثيرا من المعلومات والأسباب التي تجعلنا لا نكره الأتراك كانت موجودة أمام أعيننا أصلا , ولم تكن مخفية عنا , ولكن كل ما في الأمر أن تفكيرنا كان مُوجها نحو أُمور أُخرى تُشجعنا وتحثنا بل وتُجبرنا في كثير من الأحيان على إتباع سياسة العداء لهم , والإبتعاد عنهم .
نظام حكم إسلامي إستمر في سيطرته أكثر من أربعة قرون خلت , كانت فيه الخلافة قائمة , لا نتحدث عن الفترة الراشدية , ولا عن كاميلوت , وانما نتحدث عن فترة من الزمن كان هنالك خليفة يحكم فيها , وفيها ما يُفتخر به وهو كثير , وفيها ما تدمي العيون عليه , خطوط بيانية تصعد وتنزل , حسبما كانت الظروف وحسبما كانوا من يتولون القيادة , ولكن هل من الطبيعي أن أحكم على فترة إمتدت فوق الأربعة قرون بناءاً على الخمسين سنة الأخيرة منها ؟؟!!, وهل من المنطق أيضا ان أعتبر أن الخلاص من النظام ككل كان الحل الأمثل للتخلص من سلبياته الظرفية ؟؟, مع العلم أننا لم نجرب حلولا أخرى ,نعم فمنذ تولي جماعة الإتحاد والترقي زمام الأمور , والامور لم تكن صحية ولا منطقية , بل مستهجنة وغير مقبولة حتى من الأتراك أنفسهم , وكما أوضح لنا التاريخ أن الماسونية الصهيونية كان لها دورا كبيرا في دعمها لهم وتغذية افكارهم الإنشقاقية والتقلصية .
غريب كيف تتم مقارنة الامور والاحداث أحيانا , قزمنا نظام حكم مبني على أساس الخلافة الاسلامية , كان نتاجها إمبراطورية حكمت مساحات من الارض وفئات ومنابت وأُصول من الناس لا تعد ولا تحصى , قزمناها على فترة تراخي كان العالم كله يطمع فيها حينها , تولى القيادة فيها من لا يصلح لها , وحتى عندما ثبت أن الاتحاد والترقي كانوا مخترقين ومسيرين لخدمة الصهيونية حينها , قللنا من أثر الصهيونية في تلك الفترة وأعتبرنا أن تدخلهم لم يكن مبررا كافيا لتلك السلبيات التي نتجت عن فترة حكم الاتحاد والترقي , ولكننا وبنفس الوقت ننسى أو نتناسى ما يحدث أمامنا الان , وكيف ان الصهيونية تتحكم بأقوى دول العالم , وتُسخر كل تحركاتها لخدمة الصهيونية , وكيف أننا الان وإن كنا نتغنى بأننا مستقلون لبلادنا سيادة معلنة , إلا اننا وفي نفس الوقت محكومون ومأمورون بالتنفيذ لسطوة الدول الكبرى وعلى رأسها امريكا والتي بدورها محكومة من داخلها لمنظمات الصهيونية العالمية , فكيف نعتب على من لا قُدرة لهم في تلك الفترة على كشف الحقيقة والتأكد من الأخطار ؟؟؟!!, ولا نعتب على من يشاهد بثا حيا للمجازر والدماء التي تسفك في فلسطين والعراق وافغانستان ولبنان والسودان والجزائر واليمن والباكستان والبوسنة والبانيا ...الخ.
لم نُكلف أنفسنا عناء كشف الحقيقة المكشوفة أصلا , ولم نُكلف أنفسنا عناء إعلان الواقع على أنه حقيقة مثبتة , فتلك الهجمة الشرسة التي تعرضت لها سمعة الأتراك في عقولنا , والتي امتدت قرابة المائة عام , وتلك البطولات التي تحدثت عن كيفية تخلصنا منهم , غفلت عن الطريق الذي إخترناه بعد ذلك كبديل لهم , عن الإستعمار الذي ما زال يخيم علينا في كل أمور حياتنا , وما أسخفنا حين نحتفل بذكرى إستقلال أي دولة عربية وننسى أن الارض ما زالت محتلة , فلسطين العربية أيام العثمانيون الان في طريقها للزوال , فكيف نُقنع أنفسنا إذاً أننا مستقلون , وأننا ملكنا سيادة أنفسنا , والسيادة كل لا يتجزأ , فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون مستقلا وصاحب سيادة بنسبة مئوية مهما زادت وارتفعت , فإما 100% وإما لا سيادة ولا إستقلال , ومازالت فلسطين وكثيرا من الأراضي العربية مثل جزر ابوموسى والاهواز...الخ , ليست تحت القيادة العربية الحرة , فلا استقلال ولا سيادة لأي دولة عربية يمكن احتسابه والتغني بذكراه .
سخافة عشناها فترة طويلة من الزمن , ورمينا الخلافة العثمانية , الامبراطورية العظيمة , على صورة بعض الجنود الأتراك في المسلسلات السورية والمصرية والاردنية , وهم يغتصبون فتاة عربية , ويقتلون ثوار عرب , يُلبسون هؤلاء الجنود مزركشات ويقولون أفندم , أليست سخافة وقصور في الرؤيا , ثم تغذية هذه الصورة من بعض الجهات , وبناء السدود الفكرية التي تحول بين عقولنا وبين فكرة وجود الأتراك بيننا , وأنهم إخوة لنا في الدين , ويمكنهم مشاركتنا همومنا ومشاكلنا , ولنا منهم ما نريد من الدعم , هذا المخطط وهذا المسار الذي أُجبرنا عليه , من كان ورائه ؟؟؟, من من مصلحته عدم وقوف الأتراك والعرب في الخندق الواحد ؟؟؟, من لا يخدم مصالحه أن تدعم أنقرة القضايا العربية والاسلامية على حد السواء ؟؟؟, من ومن ومن ...الخ , لن أقع في فخ نظرية المؤامرة , ولكن لنُطلق العنان لتخيلاتنا , ونتبسط في التفكير , فالجواب سيقفز حتما في كل مرة فكرنا او اجتهدنا في التفكير فيها , وسيفرض هذا الجواب نفسه علينا , ولكم سنضحك من أنفسنا كثيرا , ولكم سنخجل من أنفسنا أكثر .
هي دعوة أُطلقها من قلب وفكر مواطن عربي , موظف حكومي , حياته لخدمة أسرته وتلبية متطلبات إستمراريتها , إبحثوا وتعلموا تاريخ العثمانين , وماذا قدموا وماذا فعلوا , وكم من دولة حرروا , إسألوا تونس والجزائر من حرركم من إستعمار الاسبان والفرنسين الأول , وليس الإستعمار الذي حدث بعد سقوطا الخلافة , انظروا كم مرة دخل العثمانيون بغداد , ومن دعاهم , وممن حرروها وأعادوا للخلافة حينها هيبتها و وجودها , هذا تاريخ مسجل ومثبت , ليس تزويرا ولا رغبة في تحلية الاتراك في العيون , لنتعلم كيف نحبهم , وكيف نتقرب لهم ونقربهم بنفس الوقت منا , لندعمهم ونستثمر فيهم , فالايجابيات التي من ورائهم آتتنا بما علمناها أكثر بكثير من السلبيات , ولكن أليس من الغريب جدا والمستهجن أنه عندما بدأت موجة المسلسلات التركية بالظهور والإطلال على العامة من الشعب العربي , أن يسألني ابني بكل بساطة وهو يشاهد حلقة لمسلسل : بابا هم الأتراك مسلمين مثلنا ؟؟؟؟؟؟؟ , فقط لانه سمع أحد الممثلين يقول حسبي الله ونعم الوكيل ( مترجمة طبعا ) , الا يؤلمنا هذا , الا يجعلنا نخجل من انفسنا , الا يكفي الان تلك الفزاعة التي أرعبونا بها زمن طويل وهي العلمانية , حتى سحبنا الاسلام عن الشعب التركي , وكأننا في دُولنا العربية وأنظمتها قد مللنا من كثرة ما طبقوا الشريعة الاسلامية , مضحك مبكي , ولكن لنتفائل فعلى مقدار ما تزيد همومنا , وتتعقد مشاكلنا , وتضيق فسحة الامل , على قدر ما يزيد وعينا , وحبنا في كشف الحقيقة , والتي أُكررها مقتنعا بها , جاعلا منها نبراسي وعنوان حياتي ما حييت, آلا وهي :
أن الحقيقة دائما وأبدا أسمى من أي عقيدة مهما إنتشرت وزاد معتقدينها .
ولكم بكل المحبة الف تحية وسلام
حازم عواد المجالي