تلقي الأحداث الدائرة في الداخل السوري بتبعات متشعبة وارتدادات عكسية موجهة للداخل الاردني على الصعيد الاجتماعي والأمني والاقتصادي سواء , فمنذ بداية اندلاع التدخل الخارجي في سوريا وتدفق المقاتلين بحروبهم الخاسرة التي خاضوها ضد الجيش النظامي هناك والاردن يعاني من ويلات وتبعات حروب الوكالة عن اميركا التي يشنها المقاتلين هناك باموال خليجية لزعزعة أمن واستقرار الدولة السورية على حساب وحدة الارض والتعايش السلمي وتدمير البنى التحتية ودون ان يأخذ ممولي الحرب هناك التبعات السلبية للأزمة السورية على دول الجوار ومنها الأردن ودون أدنى حس انساني تجاه الشعب السوري بكافة مكنوناته وتنوعاته العرقية والدينية .
يقف الأردن على مسافة قريبة من العاصفة الجهادية المفتعلة في سوريا والتي أدت الى تدفق ملايين اللاجئين لاراضيه مما شكل تحدياً مالياً ومجتمعياً فيما يتعلق بملف النازحين السوريين والمخيمات سواء تحملت الأردن كلفته الباهضة وفاتورته الأمنية ايضاً اذا استثنينا المعونات المتواضعة لممولي الحرب عندما يتعلق الأمر بالاردن ووضعه المالي الصعب وبذلك وجدنا انفسنا مكلفين بدفع فاتورة الحماقة والتهور للممولين الذين اعتبروا بان تغيير النظام الحاكم في سوريا عبارة عن نزهة قصيرة مملوؤة بعنصر التشويق كما حدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن ناهيك عن مراهنتهم الخاسرة على القطبية الامريكية بالعالم حين تفاجأ المجتمع الدولي وما زال بالاحلاف الاستراتيجية المدروسة بين الدولة السورية وروسيا كقوة عظمى سياسياً وعسكرياً والصين وايران وحزب الله التي أدت للتراجع الواضح للولايات المتحدة وبريطانيا عن التدخل العسكري لتغيير نظام الحكم هناك رغماً عنهم وليس باختيارهم .
الخليج العربي في وضع مازوم لا يحسد عليه , فايران التي تقف على محاذاة الحدود الشرقية لمنابع النفط السعودية والخليج العربي استطاعت استدراج اميركا ضمن التفاهمات حول الملف النووي الايراني وجزء من ترتيبات المنطقة المحيطة , الأمر الذي أثار الهلع في صفوف النخب الخليجية الحاكمة بوصفه تحولاً استراتيجياً للسياسة الامريكية تجاه ايران الحليف القوي والمساند للدولة السورية وانقلاباً واضحاً للتعاون العسكري والأمني بين دول الخليج واميركا فتمت المراهنة السياسية على فرنسا من جديد في مقابل حلف دولي ضخم تقوده روسيا والقوى الاقليمية بالمنطقة بهدف نزع فتيل الحرب وتصفية المقاتلين المستوردين من الخارج على الارض السورية والاتجاه لحل سياسي للازمة السورية يحرم اولئك المقاتلين الراديكاليين من التمثيل والمشاركة في جنيف 2 ومن ترتيبات العملية السياسية برمتها نظراً للفظائع الانسانية التي ارتكبوها في سوريا والتطهير العرقي الذي دأبوا على ممارسته في النسيج الوطني السوري المتعدد الاطياف والملل وخذ مثالاً على ذلك معاركهم الطاحنة مع الجيش الحر ومناطق الاكراد ومعلولا المسيحية وكافة المناطق والتجمعات التي لا تتفق مع نزعتهم الدينية المتطرفة .
حتى يتسنى للنظام السوري احكام قبضته الاكيدة على كافة الاراضي السورية وتصفية المقاتلين الذين أُغلِقت بوجههم الحدود الاردنية منذ فترة ليست بالقليلة وحدود تركيا المشغولة بالاضطرابات الداخلية سيلجأ ما تبقى منهم لاعادة الصفوف والتحشيد ضمن المناطق الحدودية السنية بين العراق وسوريا كونها المعبر البري الوحيد والمتبقي لانطلاقهم نحو الداخل السوري من حيث الامداد والتسليح والتخطيط وبذلك سيعاد تصدير الأزمة لدول الجوار والمقصود هنا بالذات الاردن والعراق وربما يعطي ذلك تفسيراً ولو مبدئياً للاحداث التي تجري بالعراق على حدوده المحاذية للاردن , ومع انغلاق اية بوادر لقبول المجتمع الدولي بتنظيم دولة الشام الاسلامي او داعش وغيرها من التنظيمات الراديكالية المدعومة من الخارج كممثل مقبول في المحافل الدولية اثناء الأزمة او بعد استقرار الاوضاع هناك سيجد الاردن نفسه في موقف لا يحسد عليه امنياً عبر طول الحدود الاردنية السورية التي تمتد لمسافة ( 400 ) كيلو متر بما يمثل ذلك من تهديد لعبور الجماعات المسلحة لارضه او تنقلها الدائم في المناطق الصحراوية هرباً من قوات النظام او لاعادة صفوفها او ربما التسلل للداخل الاردني لاحداث الارباك الامني ونشر الفوضى كون تلك الجماعات المسلحة مدعومة من دول لا يعني لها استقرار الاردني الشيء الكثير وتتخذ من غايتها لاسقاط النظام السوري كافة الوسائل اللاشرعية واللاخلاقية ومهما كلف الثمن على حساب استقرار واقتصاد وأمن الدول المجاورة .
الاردن وبحكم وضعه الجغرافي بين دول غير مستقرة ما يزال يدفع الفاتورة الامنية الباهضة عبر حراسة الحدود الصحراوية الطويلة ومراقبة الوضع الامني الداخلي للنازحين , علاوة على ان ممولي الحرب خططوا منذ بداية الازمة السورية لتشجيع النزوح نحو الاردن بالذات عبر خطة قضت أولاً باختباء المقاتلين بين البيوت وفي المخيمات والتجمعات السكانية ومناوشة قوات النظام التي وجدت نفسها مضطرة للرد (وبقسوة كباقي اي جيش بالعالم يتم استهدافه ) على مصادر النيران مما اعطى سبباً وجيهاً للمدنيين العزل بمغادرة بلداتهم ومخيماتهم باتجاه الدولة الاردنية المستقرة بحكم علاقات الجوار والنسب والبعد القومي والاسلامي للمسألة , واتخذ ممولي الحرب من ذلك ورقة ظغط على الاردن الغارق في مشاكله الاقتصادية للمقايضة بين التمويل الخليجي للدولة الاردنية لاجبارها للانخراط عسكرياً ولوجستياً في الشأن السوري عبر حلقة من الابتزاز السياسي اذا سمينا الامور بمسمياتها الحقيقية بلا تجميل .
ليس للاردن مصلحة امنية او سياسية او اقتصادية بالقضاء على الدولة السورية وفرض اجندات التقسيم التي خططتها واشنطن ودول الخليج مسبقاً, ويبقى التوصل لحل سياسي للمسألة السورية اذكى الحلول واحكمها وانسبها بالنسبة للاردن الملاصق لسوريا وبالنسبة للشعب السوري ومستقبل البلاد ووحدة الارض والتعايش السلمي هناك بين المواطنين باعتبار ان استقرار سوريا مسألة أمن قومي أردنية بامتياز ولنا في العراق الجديد عبرة واضحة وليس العراق عنا ببعيد .
Majali78@hotmail.com