محمود عبد اللطيف قيسي
إنّ دولة إسرائيل الكيان التي قامت فوق أرض ووطن الشعب العربي الفلسطيني دون أي سند أو مصوغ قانوني ، تعتمد ببقائها على عنصري الأمن الذي يتطلبه وجودها العدائي وتمددها السرطاني ، وعنصر الإقتصاد الذي يتطلبه حشد مزيد من المستوطنين المعتنقين لليهودية ، القادمين من بلدان وجنسيات مختلفة ، ولذلك هي تخاف من كل شيء حتى من ظلها الشيطاني ووجودها الهلامي ، وهي كما الفكر الصهيوني والمعتقد التلمودي وطبيعة المعتنقين لليهودية من حيث التنشئة ونوعية التخاطب السياسي ، لا تثق حتى بأقرب الناس إليها .
فقضية العدائية الإسرائيلية للإنسانية قضية حقيقية وجوهرية يقوم عليها بناؤها التوسعي ويرتكز عليها بقاؤها العنصري ، كما أنها قضية محسومة لا تحتاج للتدليل أو الفحص والتمحيص أو حتى للجدال والحوار بين إثنين ، وقد ترجمت هذه الدولة الكيان عدائية وجودها وحكمها السياسي ، وعدائية شعبها العنصري ، وعدائية جيشها الشمشوني الورقي الهمجي ضد شعب فلسطين عمليا وفي كل المنعطفات والأحوال ، منذ الزحف اليهودي الصهيوني لفلسطين وتمكنه من إقامة مجموعة من المستوطنات بتشجيع من الكبار آنذاك بريطانيا وفرنسا وروسيا وامريكا ، وبغض طرف من الجمعيات التركية المعادية للحقوق والتوجهات والقومية العربية ، التي نقلت الإتراك من العثمانية إلى العلمانية ، وبلا أبالية ووضع الأصابع واليد في الأذنين وعلى الفم والعينين من ذات الشعب الفلسطيني الذي عاني من حكم أسر إقطاعية متنفذة ، سحبته وفلسطين لمصالحها فضاعت وأضاعته وضيعت فلسطين ، وأخيرا بتأييد من المنظومة الدولية التي مهدت لقيام دولة إسرائيل بأكثر من قرار وعلى رأسها قرار تقسيم فلسطين رقم 187 لسنة 1947م ، وأعترفت بها فور قيامها ومهدت لشرعيتها بالكثير من القرارات منها القرار 194 الذي ظاهره إحقاق حق العودة للفلسطينيين وباطنة تحقيق الشرعية القانونية والوجودية وضمان الاستمرارية للكيان الإسرائيلي ، والذي نظمته بريطانيا وأيده الغرب ورفضه في حينه كل العرب والدول الإسلامية والقوى العالمية الحرة .
وقضية العدائية والعنصرية الإسرائيلية لم تبدأ بقافلة شريان الحياة لكسر الحصار عن شعب غزة ، فقد كان من ضمنها قيام الموساد الإسرائيلي في 16 / شباط / 1988م بتفجير سفينة الحق ــ عودة اليونانية المستأجرة من قبل نشطاء فلسطينيين وعرب ونشطاء سلام يهود وأوروبيين بالتعاون والتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية ، قبل أن يستقلوها للإبحار بها نحو الشواطيء الفلسطينية لتحقيق حق العودة عمليا ، كما أنّ من ضمنها محاولات اغتيال القيادات السياسية الفلسطينية الفاعلة وعلى رأسها قيادات من فتح وحماس والجهاد الإسلامي والشعبية وغيرها ، ومحاولة نهش وتكسير صورة القيادة الفلسطينية الشرعية وتحديدا صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( ابو مازن ) ، تحت أمل التفلت من ردة فعل الشارع الفلسطيني والعربي لحظة إضطرارها للتخلص منها ، حتى لا تتكرر تجربتها مع تبعات رمزية الشهيد ياسر عرفات ، كما صرح شارون وغيره من قيادات إسرائيل بعد استشهاده ، بأنهم لن يسمحوا بخروج قائد فلسطيني جديد يحقق الرمزية كياسر عرفات ، ومن هنا جاءت المحاولات الإسرائيلية الرسمية والإعلامية بالتعاون مع بعض الأيادي والمعاول الفلسطينية القذرة للنيل من وطنية وعزيمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس .
وبالعودة إلى قافلة شريان الحياة البحرية التي حاولت تحطيم جدار الحصار الإسرائيلي المفروض حول غزة ، فقد حققت هذه القافلة أركانها السياسية بزيادة عزلة إسرائيل عالميا وبانفضاض الناس من حولها عدا الأعداء المتكافلين المتضامنين العاملين ضد القضية والشرعية الفلسطينية اللذين من بينهم فلسطينيين وعرب وعجم ، إلا أنّ العمل الإسرائيلي الإرهابي ضد المدنيين المتضامنين العزل المطالبين بكسر الحصار والحاملين لمواد تموينية ودوائية ضرورية لأطفال وسكان غزة ، والذي نتج عنه استشهاد كوكبة من الأخوة الأتراك والعرب وغيرهم وجرح عشرات آخرين وسجن مجموعة أخرى كبيرة وإبعاد آخرين بعد آخذ تعهدات عليهم بعدم التفكير بزيارة إسرائيل أو دعم فلسطين ، رافقه استغلال من قبل الماكنة الإعلامية الإسرائيلية والرديفة المتآمرة معها من صحف ومجلات ومواقع إلكترونية وفضائيات رخيصة ، والتي حركت جميعها ليس لفضح الإرهاب الإسرائيلي وممارساته ، بل للإساءة للسلطة الوطنية ولفصائل فلسطينية وقياداتها ، التي تلقفت أحداثها ونتائجها المأساوية حماس للإساءة للشرعية الفلسطينية ولتعميق الإنقسام الخطير الذي يهدد القضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني نفسه ، في حين كان الأجدر والأولى لمجابهة هذه الإعتداءات الإرهابية الإسرائيلية أن تستغل قيادات حماس الحدث لمصافحة الطرف الفلسطيني الآخر وتمد يدها ليد الرئاسة الفلسطينية الممدودة للمصالحة والعاملة بجد وإخلاص من أجل ترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة التي يطلبها ويستحقها الشعب الفلسطيني وتبحث عنها قضيتة الموشكة على الضياع بسبب التفتت والتشرذم والخصام الفلسطيني ، كما أن الجرم الإسرائيلي الذي حاولت جزيرة قطر وبعض ضيوفها المتشدقين إظهاره والتركيزعليه طوال يوم شلال الدم الغالي ، شابه الكثير من المغالطات والتي منها تكريس عدائيتها لحركة فتح وللسلطة ولمنظمة التحرير الفلسطينية ، عبر تجاوز أدوارها النضالية ووجودها ، والتي منها كذلك إغفال أو تجاوز حقيقة وجود الإرهابي الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر في حاضنتها قطر في نفس يوم الجريمة الإسرائيلية النكراء ، والذي استقبل فيها استقبال الأبطال الفاتحين ، ربما لأنه بطل إخماد انتفاضة الأقصى الثانية وبرقبته دماء الآلاف من شعب فلسطين ، عندما أصدر أوامره لجيش الإحتلال ولقطعان المستوطنين بوصفه وزير الدفاع في حكومة شارون الدموية ، بمهاجمة الشعب الفلسطيني وكافة مقرات السلطة الفلسطينية والمقرات الأمنية في الضفة الغربية ، وربما لأنه بطل حصار مخيم جنين وكنيسة المهد والموقع على قرارات الإبعاد للعشرات من مناضلي فلسطين إلى خراج الوطن ، وربما لأنه بطل حصار مقر الرئيس عرفات والذي منعه من حضور قمة بيروت 2002م بتواطؤ مكشوف آنذاك من بعض أطراف دول وأجنحة الممانعة التي حاولت حتى منع بث كلمته المتلفزة للقمة ، وربما لأنه كان قائد الوحدة الإسرائيلية( شكد ) التي قامت بدفن أكثر من 250 جندي مصري أحياء في رمال سيناء خلال حرب حزيران 1967م .
فوزير الدفاع الإسرائيلي ايهودا باراك ورئيس وزرائه بيبي نتنياهوا الملعونين من الله والملائكة والناس أجمعين الملطخة أياديهم بدماء شعب فلسطين ودماء أعضاء من فريق شريان الحياة من أتراك وغيرهم ، ليس بأقدس منهم وأطهر الملعون بنيامين بن إليعازر الذي قتل أكثر ودمر أكثر وشرب دم أطفال فلسطين أكثر طوال حياته وخلال محاولته إنهاء الإنتفاضة الثانية ، واليوم بوصفه وزير الإقتصاد الإسرائيلي المطالب بحصار غزة وبالإنتقام من السلطة الفلسطينية لمقاطعتها منتوجات المستوطنات الإسرائيلية ، والقابع هذه الأيام والمرحب به في قطر المزاودة على مواقف وتضحيات الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية .
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com