اي كان حجم الخسائر التي تكبدها المبحرون الى غزة، واي كان حجم الادانة والتنديد الدوليين الذين قوبل بهما الانزال الاسرائيلي الدموي على سفن \"اسطول الحرية\" الذي كان متوجها الى غزة فجر الاثنين، واي كان حجم الخزي الذي يحمله حصار ثلاث سنوات، لمدنية القرن الحادي والعشرين، واي كانت اشكال الموت الجديدة التي لم نعرفها من قبل لاطفال غزة، فان الولايات المتحدة ليست بوارد مراجعة مواقفها المعادية لنا والمؤيدة لاسرائيل.
فالولايات المتحدة التي اعتادت الدعم اللامحدود لاسرائيل، بل والتي ادمنت البحث عن افضل السبل لشراء الوقت الكافي لاسرائيل لاتمام فصول جرائمها، عادت هذه المرة لتمارس نفس الصلف في ابتداع اساليب تغطية جريمة اغتيال اسطول الحرية، وهو ما دفع اسرائيل لتأكيد ان ما قامت به كان في سياق الدفاع عن النفس، وحذرت من انها ستمنع اي سفينة من الوصول الى القطاع المحاصر منذ ثلاث سنوات.
وبعد ساعات قليلة من اتخاذ رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان موقفا صلبا من اسرائيل التي نصحها بالا تختبر صبر تركيا، وتأكيده على استحالة عودة الامور الى ما كانت عليه في السابق بين انقرة وتل ابيب. واتهامه الحكومة الاسرائيلية بالكذب عندما تدعي ان الناشطين هم الذين بادروا الى اطلاق النار على الجنود الاسرائيليين، قالت واشنطن انها لا تؤيد انهاء الحصار الاسرائيلي للقطاع، رغم موافقتها على بيان مجلس الامن الدولي.
ويفسر هذا الموقف الامريكي، الى انه يأتي في السياق الطبيعي لمحاولات واشنطن لاحتواء مضاعفات الهجوم الاسرائيلي ومنعه من الحاق اضرار اكبر باسرائيل او بالعلاقات الاميركية – الاسرائيلية، خاصة وانها تفادت توجيه أي انتقاد الى الاجراءات الاسرائيلية.
بل ويميل كثير من المراقبين الى الاعتقاد، بان النجاح الامريكي في التملص من الضغط التركي لادانة اكثر شدة للاعتداء الاسرائيلي، ودفع مجلس الامن لاصدار بيان خفيف اللهجة يدعو الى اجراء \"تحقيق حيادي\" في الاحداث، رغم ان خلاصته تذهب الى انه لا يمكن الاستمرار في الحصار، هو ما سيمكن الولايات المتحدة من قيادة حملة دبلوماسية، لاحتواء الاعتداء وانعكاساته، وتوفير الوقت الكافي لاسرائيل للاستمرار في استخدام سلاح الحصار الذي يضعف الموقف الفلسطيني بعمومه ان في غزة اورام الله على حد سواء.
وفي اطار احتمال من نوع تبديد الجهد الدولي لتحميل اسرائيل مسؤولية جريمتها، فانه يشار الى ان الجهد الامريكي انصب خلال مداولات ما قبل صدور البيان على اسقاط كلمة \"مستقل\" في وصف التحقيق، اتساقا مع ما كان يحدث لمسودات سابقة نتيجة لاصرار الولايات المتحدة على ذلك، لانها توحي بأن التحقيق يجب الا تجريه اسرائيل نفسها.
وعلى الرغم من قول المندوب المكسيكي الدائم لدى الامم المتحدة السفير كلود هيلر الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الامن لهذا الشهر، عقب صدور البيان، ان كلمة \"حيادي\" التي تظمنها البيان تعني الشيء عينه ككلمة \"مستقل\"، وان على الامم المتحدة ان تحدد الجهة التي ستتولى التحقيق، فان الولايات المتحدة كان لها رأيا مختلفا.
فقد قال نائب رئيس البعثة الاميركية لدى الامم المتحدة اليخاندرو وولف: \"نحن نؤيد تحقيقا اسرائيليا... ونثق كل الثقة بان في وسع اسرائيل اجراء تحقيق داخلي ذي صدقية وحيادي وشفاف وعاجل\".
ولوحظ طوال يوم امس كيف ان طواقم الادارة الامريكية، بدء بالرئيس وانتهاء بالناطقين باسم البيت الابيض والخارجية، قد اختبأوا خلف البيان الهزيل لمجلس الامن، لتفادي الوقوع في مواقف محرجة لادانة الهجوم الاسرائيلي، الذي جرى التنسيق لاخراجه الى حيز الوجود بين الرئيس اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو.
فقد كشف الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس ان الرئيس باراك اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تحادثا ثلاث مرات الاثنين لمناقشة الاجراء الاسرائيلي وتداعياته، وبينت مصادر مطلعة ان الاتصال الاول كان من نتنياهو لاعلام اوباما بقراره تأجيل زيارته لواشنطن، وان الاتصال الثاني تضمن شرحاً وتبريراً من نتنياهو لاجراءات العسكريين الاسرائيليين وممارساتهم. اما الاتصال الثالث، فكان هدفه تنسيق مواقف الطرفين في مجلس الامن، حيث اضطلعت واشنطن بدور رئيسي في تخفيف لهجة البيان الذي ندد بـ\"الاعمال\" التي ادت الى الخسائر البشرية، وهي اعمال تشمل نظريا فكرة تنظيم عملية الاغاثة البحرية، نفسها، اي ادانة منظموا حملة الاغاثة بدأ وانتهاء.
وفي اشارة شديدة الوضوح على النية الامريكية لتبديد الجهد الدولي في ادانة الجريمة الاسرائيلية، ولتوفير الوقت الكافي لاستمرار المخطط الاسرائيلي، من عملية السلام برمتها قال غيبس ان الرئيس اوباما لا يؤيد انهاء الحصار \"لانه يهدف الى منع وصول الاسلحة الى أيدي حماس، وهي الذريعة التي تحت لوائها، يستمر الموقف الاسرائيلي، الذي يصيب الموقف الفلسطيني في غزة ورام الله بعقم مزمن، حتى وان كانت المناسبة الهجوم على \"\" اسطول الخرية \"\"
هاني الروسان