من هناك ...ومن فوق روابيها وقممها التي تعلو صهوة المكان...تشتم رائحة عبير يتسلل إليك من ثنتيات الوادي السحيق...يلتحف الغمام في صبيحة يوم صيفي ندي...ويأتيك متسلقا شعاب الأودية الملتوية حاملا معه عبق قهوة تدور في رحى مهباش عتيق يقرعه الجدود... مختلطا بنسيم دفلى أو نبت أقحوان وزهر ياسمين يهبط إليك من شرفات المنازل وحواف الشبابيك...يخبرك بان المكان رحيب والاهل عزيزون ومكانكم هوبين الجفن والعيون...
هي السلط تستقبلك ببيوتاتها المتلاصقة والمصفوفة كحبات عقد في جيد حسناء...تناديك بأن أهلا بك ومرحبا ويسألك أهلها الطيبون( من وين الله يحييك؟؟) هو سؤالٌ محبٌ وجواز عبور لقلوبهم وعنوان أمان...
في السلط تبحر في ردهات المكان وتستذكر من مرُوا من هناك ومن هبطوا أدراجها وزينوا بسواليفهم المكان...
من السلط تأخذك الذاكرة لتوقظ في الروح ألف قصة عبرت من فوق ثراها وخطت أجمل الأزمان...هناك كانوا يتعبدون ويناجون فمقامات من عبروا وأضرحتهم ومزاراتهم لا تزال شاهدا على عظم المكان فمن شعيب ويوشع إلى الخضر عليهم السلام إلى شواهد التاريخ من بقايا الأتراك وأحداث ساهمت في تشكيل الهوية الأردنية ولا تزال...
في السلط تشعر أنك بأمان ...فالحب ينتشر في كل مكان وبساطة الأشياء تجعلك تحس بأن لا بد من بقايا لحب مندثر في هذه الأيام ... نفتقر اليه في زمن المصلحة وطغيان الرياء واللاصدق... إلا أنك في السلط كما باقي مدننا الأردنية وقراها وبواديها على امتداد الوطن من حسمائه شرقا وحتى غوره غربا ومن حورانه شمالا حتى ثغره المتبسم جنوبا تقابلك هذه البساطة العفوية والحب الفطري متأصلا في دمنا والعروق...
في هذا اليوم كنت في السلط جارة الوادي وريحانة الصباح للمراجعة في إحدى دوائرها وكان لزيارتي العابرة ألف صدا وصدى فالناس كما عهدتهم طيبون والشخوص كما هم معطاؤون ونخوة العز تعيدك لزمن الصفاء وتشعرك بان لا يمكن لأصيل أن يتحول مهما تغير الزمن وروحنا باقية فينا كحرز يحمي هذا الوطن الصابر رغم قسوة المحن... فنحن بسطاء ولكننا لا نخون من عبر....
لتبق يا وطني عزيزا... ماجدا... لا تشكوا المحن....