ما إن بدأ اليورو يفقد قيمته لصالح الدولار حتى بدأت الأصوات التي تدافع عن الدولار تعلو لتؤكد علو كعب الأخير في حماية ممتلكات ومقدرات الاقتصاد الأردني ، وتناسينا أنه كان السبب في استيراد التضخم من الخارج في منتصف عام 2008 حتى وصل معدل التضخم الى 14.5% جزء كبير منه بنسبة تصل الى 55% تعزى إلى تهاوي قيمة الدولار ، والآن وبسبب أزمة اليونان كسب الرهان أصحاب \" نظرية الدولارة \" ، ولكن اعتقد أن المكاسب ستكون آنية ولن تطول لأن قوة الدولار جاءت من ضعف اليورو ، وهي لا تعبر عن نشاط اقتصادي فعلي يدعم ظاهرة الدولار ، كما أن نظرية \" البترو دولار\" تعتبر غطاء مهم للدولار من أية تقليات أو خسائر كبيرة وغير متوقعة في المستقبل ، ولو تم الاستغناء عن هذا الغطاء لصالح اليورو ، أو حتى لصالح الدينار الأردني فسوف يساهم في تعزيز النشاط الاقتصاد في الدولة الأم ، كما أن تخفيف القيود والالتزامات الدولية بعملات أخرى غير الدولار سوف يفضي إلى ذات النتيجة .
إن بوادر الأزمة المالية في القارة العجوز وتحديداً في اليونان لا تشير في الوقت الحالي إلى الانفراج رغم كل التدابير والإجراءات المتخذة على المستويين النقدي والمالي ، وربما حصول التباطؤ في النمو الاقتصادي في بعض دول المنظومة دليل على تأثير الأزمة المالية، وهو في نفس الوقت يحمل اتجاهات إيجابية لتحسين الوضع الاقتصادي العام .
ورغم أن ترك إدارة الاقتصاد اليوناني وإدارة الأزمة كان لصالح صندوق النقود الدولي ، فهي ساهمت في تقليص حدة الأزمة ولكنها لم تتعافي لأن هذا الأمر خارج عن السيطرة وعن التوقعات ، ويحتاج إلى وقت طويل نسبياً قد يكون بحلول عام 2013 على غرار الفترة الزمنية التي احتاجها الاقتصاد الأمريكي والعالمي للتعافي مما حصل فيه .
الاقتصاد العالمي هو عبارة عن قرية صغيرة مترابطة ومتداخلة فيما بينها بسبب تشابك المصالح الاقتصادية والتجارية ، وهذا ما يجعل آثار الأزمة المالية في دولة قد تظهر في دولة أخرى ، وبسبب مفهوم العولمة الاقتصادية فإن العلاج هو عالمي وغير محصور بدولة ما ، ولا يوجد هناك وصفات جاهزة يمكن توزيعها من قبل صندوق النقد الدولي ، ويتطلب الأمر مواجهة كل حالة على حدة .
إن العلاقة السياسية التي تربط الاقتصاد الأردني بالأميركي تجعلنا نميل إلى تفضيل استمرار الربط بين الدينار والدولار ، ونحن لا ننكر أثر هذه السياسة في المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي في الأردن ، ولكنها لم تعطي القيمة الحقيقية للدينار الأردني وهي القيمة التي طرأ عليها الكثير من العوامل التي جعلت هناك ضرورة لإعادة تقييم لسعر الصرف المثبت عنده الدينار .
الهيمنة الأمريكية السياسية تفرض على الكثير من دول العالم دعم استخدام الدولار على مستوى اقتصادياتها وهذا يعتبر من جهة أخرى من الضغوط على قيمة اليورو وعلى قدرته في الوفاء بدوره النقدي وتصحيح الاختلالات والتشوهات الاقتصادية في منطقة اليورو، ولكن اعتقد أنه بالرغم من طول الفترة النسبية لتعافي الاقتصاد الأوربي ومن خلفه اليورو ، إلا أن ذلك ليس مستحيلاً ، فوجود الكثير من الاقتصاديات القوية داخل منطقة اليورو سيساهم في الخروج من الأزمة ، وبالتالي يستعيد اليورو مكانته الاقتصادية .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com