زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - ‘لا توجد حلول’..عبارة قالها رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبدلله النسور وهو يشدد في كل مجالسه على أن الخزينة كانت خاوية عندما تسلم حكومته الأولى حتى وصل الأمر لحد احتمالية عدم وجود ‘رواتب’.
سمعت ‘القدس العربي’ مباشرة من النسور الكلام نفسه في عدة مقابلات والهدف كان الإشارة إلى أن الإلتزام مجددا بوصفات الإصلاح النقدي الدولية كان ممرا إجباريا للحكومة الأردنية التي خذلها بشكل واضح ‘الغاز المصري’ فزاد بسبب إنقطاعاته المتتابعة من الفاتورة النفطية.
المشكلة الأساسية حسب وزير المالية الدكتور أمية طوقان تكمن في ملف الطاقة الذي يزيد من كلفة المعيشة وكلفة الإنتاج بنفس الوقت خصوصا مع تنامي الحاجة للطاقة والمياه بسبب وجود أكثر من مليون لاجئ سوري.
مجموعة من رجال الأعمال هددوا الثلاثاء بوقف إستثماراتهم ومصانعهم وتسريح العمال والبحث في نقل مصالحهم لإحدى دول الجوار بسبب إصرار شركة الكهرباء على رفع أسعار الطاقة.
طوقان قال في حديث جانبي لـ’القدس العربي’: خرجنا قليلا من نطاق الأزمة المالية لكنا لم نغادرها بعد.
وأضاف: خطط التقشف ضرورة ملحة والإعتماد فقط على المساعدات الخارجية لا يكفي ولدينا بعض المشكلات في التمويل ونتعامل بمرونة قدر الإمكان مع الإشكالات المالية وإن كانت أوضاعنا أكثر استقرارا خصوصا بسبب سياسة الحفاظ على الإستقرار النقدي وعوامل النقد الأجنبي.
الكلام يبدو تقنيا بامتياز لكن ملاحظة النائب عبد الهادي المجالي على مشروع الموازنة المالية الذي تقدمت به مؤخرا حكومة النسور أن الظروف الإستثنائية تتطلب ميزانية طارئة وإستثنائية.
عند الإستيضاح أردف المجالي: لا تقل لي بأن ظروف البلد استثنائية ثم تأتيني بميزانية خالية فعلا من التقشف والإيرادات فيها بمستوى النفقات الرأسمالية نفسه.
الكلام عن ‘أزمة الطاقة’ هو الذي يصغي له الأردنيون منذ ثلاثة أعوام في كل المناسبات من الحكومة والصف الرسمي..في رأي رئيس مجلس الأعيان السابق طاهر المصري إن ذلك يحصل لهدف بالتأكيد. إلى حد موسع تمتنع الحكومة عن مصارحة الرأي العام بالتفاصيل ‘السياسية’ لأزمة الطاقة ويكثر الرسميون من التحدث الرقمي عن أزمة شركات الكهرباء المهددة بالإقفال بسبب تراكم ديونها جراء عوامل متعددة من بينها إنقطاع الغاز المصري.
الأردن عمليا وعلى حد تعبير النسور يعيش بين سلسلة من آبار النفط والغاز ‘الصديقة’ المجاورة لكن المجالي لاحظ بوضوح: لا أحد من الجيران يبدي أي إستعداد لمساعدة الأردن رغم دوره الأمني الكبير في حماية الجميع.
لذلك يرى المجالي أن مسألة الطاقة سياسية بامتياز وعدم وجود ‘تعليمات أمريكية’ تحديدا لحلفاء واشنطن بمساعدة الأردن في مسار الطاقة دليل مكشوف على أولا-سياسية- ‘إبقاء الأردن على حافة الجوع′، وثانيا على إحتمالية وجود مشاريع سياسية على الأردنيين تمريرها حتى يعيشوا بوفرة من الطاقة.
داخل غالبية غرف القرار يعرف المسؤولون أن الغاز المصري لا ينقطع فعلا بسبب تفجير الأنابيب كما تتذرع السلطات في عهد الجنرال عبد الفتاح السيسي.
أحد الوزراء قال لـ’القدس العربي’ شريطة عدم نشر اسمه: المصريون يعطلون الأنابيب قصدا في بعض الأحيان ويريدون رفع الأسعار ويتقصدون إقفال أنابيب الغاز ولا يضخونه لنا. لماذا لا تعلن السلطة عن ذلك؟ سألت ‘القدس العربي’ الوزير الأردني فأجاب: القرار السياسي أن لا نصنع مشكلة مع السيسي وأن نكتفي بما تقدمه لنا السعودية التي تستطيع بجرة قلم حل كل مشاكلنا في مسألة الطاقة لكنها لا تفعل. في الوقت نفسه لا يوجد مجال بسبب الأجواء السلبية للإحتماء بالغاز القطري فالدوحة لا تعرض وعمان لا تطلب.
لذلك أعلن النسور مؤخرا أن شركة البوتاس وهي واحدة من أضخم الشركات وأكبرها سمح لها بالإستعانة بالغاز الإسرائيلي حفاظا على الإنتاج.
الغاز الإسرائيلي على هذا الأساس تم تسريبه بالتدريج وبالقطعة للواقع الإقتصادي والصناعي الأردني..تلك عملية سياسية بتقدير سياسي بحجم المصري وإن كان رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس جمال صرايرة قد أشار ردا على استفسار مباشر لـ’القدس العربي’ لأن الإتفاق الأولي على استيراد كمية الغاز من الجانب الإسرائيلي حصل مع شركات أمريكية وليس إسرائيلية وهي شركات تستمثر في الغاز ما بعد الحدود البحرية الدولية.
معنى الكلام ضمنيا بأن الصرايرة يريد أن يقول بأن الغاز الذي سيصل مصانع البوتاس الأردنية هو ‘أمريكي’ في الواقع وبكلفة قليلة في مستوى النقل.
لوحظ في السياق أن الحديث الحكومي عن الإستعانة بالغاز الإسرائيلي لم يزعج المعارضة ولم يقلق الحراك ولم يتصدر البيانات التي كانت تصدرها بالعادة لجان مقاومة التطبيع.
الإنطباع لذلك يتكرس بأن للعملية بعد سياسي وليس صناعيا فقط والمسألة قد تندرج تحت عناوين’التعايش’ التدريجي مع عملية سلام متوقعة وكبيرة وشاملة يجري التحضير لها تحت لافتة السلام الإقتصادي، الأمر الذي يبرر حديث مساعدين لجون كيري خلال المفاوضات عن مساعدة ‘الدولة الفلسطينية’ التي ستنشأ لاحقا بالتعاون مع الأردن وإسرائيل على الإستثمار في قطاع الغاز على سواحل قطاع غزة.
على الأساس نفسه يمكن فهم مبررات مطالبة شركة بريطانية عملاقة من وزن ‘بريتش بوترويليوم’ بمغادرة الأردن بعد أربع سنوات من التنقيب عن الغاز شرقي البلاد ويمكن فهم الخطاب الرسمي الذي يركز كثيرا على ملف الطاقة والوضع الإقتصادي المتدهور الذي وصل حد إخافة الأردنيين عدة مرات على ‘رواتبهم’.
الفكرة بإختصار أن أزمة الغاز والطاقة مفتعلة تماما ليس من قبل الأردنيين بل من قبل أصدقائهم في الخليج ومصر وواشنطن لأغراض من الواضح والمرجح أنها سياسية وستظهر قريبا أما الجانب الحكومي فيقر ‘بالواقع′ ويستسلم لمجرياته ويشعر بالحرج لإنه لا يريد إبلاغ الشعب الأردني بأنه ‘محاصر’ أو بما يجري.
القدس العربي