عندما تتعارض بعض الأنشطة والممارسات في مدارسنا، وتصطدم مع فلسفة وأهداف التربية، فإنَّ ذلك يعمل على إحداث بلبلة سلوكية، واضطراب أخلاقي، وزعزعة للنظام التربوي، وبالتالي نشوء جيل يفتقد للبوصلة، ويعاني من فقدان للهوية، وعدم وجود معايير أخلاقية واضحة يستند عليها، مع عدم إيمانه بالمنطوق الذي يذهب أدراج الرياح، بفعل تصرفات وأفعال تناقضه، وأنشطة هدامة وسلوكيات مدمرة.
ومع أنَّ هذه الأنشطة والأفعال محدودة كماً، وتمارسها مدارس قليلة، إلا إنَّها عميقة التأثير، بعيدة الغور، كبيرة الأثر. ومنها على سبيل المثال:
تهتم المدارس طوال العام الدراسي بالتربية السليمة، وغرس القيم، والحض على الأخلاق الفاضلة، وكل ذلك يذهب كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً في احتفالات آخر العام الدراسي، التي تقوم على الرقص والغناء والحركات الرياضية من الطالبات أمام الحضور، وجلُّهم من الرجال، ومما يؤسف له أنَّ الرقص والغناء والحركات الرياضية لا علاقة لها بالحدث المُحتفى به، ولا تمت له بأية صلة، ولا معنى لحشوها في الاحتفال إلا من باب الإثارة وجلب الانتباه واستدراج المديح والثناء من الحضور الذين لا يأبهون بالمناسبة بقدر ما تلفتهم الفنون والحركات المرافقة. وأتوجه بالسؤال إلى كل مسؤول يحضر هذه الاحتفالات: هل ترضى لابنتك أن تشارك مغنية أو راقصة أو عارضة؟
أما الرحلات المدرسية فهي مثال صارخ على حجم الانفلات، وترك الحبل على الغارب للطلبة ليفعلوا ما يريدون دون رقيب أو حسيب، من رقص وغناء للفتيات والتدخين والمزاح المفتوح وغير ذلك من السلوكات غير المقبولة، وكأن القائمين عليها يفصلون بين المدرسة والرحلة في فصام نكد يدمر ولا يعمر، يهدم ولا يبني.
وتأتي المقاصف المدرسية التي تضع أموالها في بنوك ربوية، في تحدٍ واضح للشريعة الإسلامية التي يتم تدريسها للطلبة ومنها الربا وتحريمه وتأثيره المدمر على الاقتصاد والمجتمع، وهل تعجز التربية أن توفر لأموال المقاصف مكاناً أميناً غير البنوك الربوية لتنسجم قولاً وفعلاً. ولا يبتعد عن ذلك التناقض الواضح بين بعض دروس الرياضيات التي تدرس الربح والربح المركب باعتماد شبه كامل على أمثلة البنوك وأرباحها، دون أدنى إشارة إلى حرمة الربا، في تناقض مع دروس الربا في مبحث التربية الإسلامية. مما يشتت أفكار الطلبة ويجعلهم في حيرة جراء التضارب بين المباحث واختلافها.
وفيما تمارس المدرسة تقتيراً على المعلمين والطلبة، خاصة في تصوير الامتحانات الشهرية وأوراق العمل وغيرها من الضرورات للعملية التعليمية بحجة عدم وجود ميزانية ومخصصات، نراها تنفق ببذخ على الحفلات وموائد الطعام والحلويات وأسباب الضيافة المختلفة.
ومن أكبر الأمثلة الصارخة التعدي السافر على العدالة والنزاهة في جريمة الترفيع التلقائي لطلبة لا يستحقون ولم يبذلوا أي جهد، بل إنَّ أغلبهم قد يتجاوزون طلبة درسوا وحاولوا ولكن لم تسعفهم ظروفهم، فبالكاد نجحوا، وهذا الإجراء يفقد الطلبة إيمانهم بقيم العدالة والحق والمصداقية، وأن يأخذ كل ذي حق حقه، بل يجدون غشاً وكذباً وتزويراً ورفع وتقديم من لا يستحق.
ومن الدواهي أن يكون للمدير أو المديرة أو لمعلم أو معلمة ابن أو ابنة في مدرسته، فيعمل على التوصية عليه، وتوفير الحماية له، وتقديمه على غيره، في خرق وتعدٍ على كل القيم والأخلاق، مما يسهم في خلق جيل يرى في الواسطة حلاً سحرياً وطريقاً سهلاً للوصول دون بذل أية جهود تذكر.
لا أدعو للتشدد أو التضييق على طلبتنا أو مدارسنا، وإنما المطلوب مزيد من التوافق والانسجام مع أهداف التربية وفلسفتها، خاصة ونحن نتحدث عن مؤسسة تربوية مؤتمنة على أخلاق طلبتنا وقيمهم وسلوكياتهم، ومسؤولة عن تكامل شخصياتهم واتزانها.
ولذا من الضروري أن يكون للأنشطة أهداف واضحة تتوافق مع أهداف التربية وتعززها، وأن تغربل من أية شوائب لا تخدم أهدافنا وأخلاقنا وقيمنا وتتعارض مع ديننا.
والأمر سهل وبسيط وهو أن تقوم الأقسام المعنية في المديريات والمركز بواجباتها في المتابعة ضمن خطة مدروسة ومبرمجة منذ بداية العام الدراسي وأن لا تترك الأمور على غاربها.
mosa2x@yahoo.com